وليس ذلك من مذهبنا وإن أوهمه بعض العبارات ، والحجّة عندنا ليس إلّا اليقين أو الظنّ المعتبر شرعا وهو المنتهي إلى اليقين ـ كظواهر الكتاب ـ وهو المطابق لما ادّعاه السيّد رحمهالله حسب ما عرفت فيتأيّد به الدعوى المذكورة ، مضافا إلى ملاحظة طريقة العلماء خلفا عن سلف ، فإنّه لا زال علماؤنا يستدلّون على حجّية الأدلّة الظنّية والطرق الخاصّة بالأدلّة القائمة عليها من الكتاب والسنّة وغيرهما ، ولم نجدهم يستندون إلى مجرّد كونه مفيدا للظنّ ، وأيضا لا زالوا يتمسّكون في غير القطعيّات بالظنون الحاصلة من الكتاب والسنّة أو القواعد المأخوذة عنهما دون غيرهما ، وعلى ذلك جرت طريقتهم من لدن أعصار الأئمّة عليهمالسلام إلى يومنا هذا ، كما يظهر ذلك من ملاحظة الكتب الاستدلاليّة ومناظراتهم المحكيّة كيف! ولو كان مطلق الظنّ حجّة عندهم لأقاموا الدليل على ذلك واستراحوا عن مؤنة الأدلّة الخاصّة على الظنون المخصوصة ، بل الّذي يظهر أنّ ذلك من طريقة العامّة حيث إنّهم يركنون إلى سائر ما يفيد الظنّ كما يشعر به كلام الشريف الاستاذ ، وربّما يشير إليه عبارة السيّد رحمهالله ، وعليه مبنى الاجتهاد عندهم حيث إنّهم يطلبون به الظنّ بالحكم الشرعي ، ولذا ورد ذمّ الاجتهاد في الأخبار ، وأنكره علماؤنا يعنون به ذلك دون مطلق الاجتهاد ، فإنّه مطلوب عندنا أيضا وإنّما يراد به بذل الوسع في تحصيل مفاد الأدلّة الّتي يقطع بحجّيتها والعمل بمؤدّاها ، وتحصيل ما هو الأقوى منها عند تعارضها ، وأين ذلك من الاجتهاد المطلوب عند العامّة؟ فمطلق الظنّ عندنا إنّما يعتبر في التراجيح الحاصلة بين ما يقطع بحجّيتها دون نفس الأدلّة.
والحاصل : أنّ الحكم بانعقاد الإجماع على ما ذكرنا غير بعيد من ملاحظة طريقتهم والتأمّل في مطاوي كلماتهم حسب ما قرّرناه ، وقد ادّعاه السيّدان الأفضلان حسب ما عرفت. وربّما يدّعى الإجماع على عكس ذلك لبعض ما قد يوهم ذلك من كلماتهم ، وهو توهّم فاسد كما سيجيء الإشارة إليه.
ثالثها : أن يدّعى الإجماع على أنّ الظنّ ليس بحجّة إلّا ما قام الدليل القطعي أو المنتهي إلى القطع على اعتباره ، فإن قام ذلك فلا كلام وإلّا بني على عدم