غير أن يلزم شيء من المفاسد الثلاثة ، وهو غير المدّعى كما عرفت. وإن اريد به الأعمّ من الوجهين ، فهو مسلّم ولا يفيد حجّية الظنّ المتعلّق بالواقع كما هو المدّعى ، على أنّ التقرير المذكور لا يفي بوجوب الرجوع إلى الظنّ به.
غاية الأمر دلالته على لزوم الرجوع إلى ما عدا العلم ولو كان الرجوع إلى تقليد الأموات مثلا ، فلابدّ من أخذه فيه ما يفيد وجوب الأخذ بالظنّ حسب ما أخذناه في التقرير المتقدّم.
ـ الثاني ـ (*)
أنّه لو لم يجب العمل بالظنّ لزم ترجيح المرجوح على الراجح ، وهو غير جائز بديهة ، فالمقدّم مثله. بيان الملازمة : أنّه مع عدم الأخذ بالمظنون لابدّ من الأخذ بخلافه ، وهو الموهوم.
ومن البيّن أنّ المظنون راجح والموهوم مرجوح لتقوّمهما بذلك ، وهو ما ذكرناه من اللازم.
فإن قلت : أنّه إنّما يلزم ذلك إذا وجب الحكم بأحد الجانبين ، وأمّا مع عدمه فلا ، إذ قد لا يحكم إذن بشيء من الطرفين.
قلت فيه : أوّلا : إنّ ترك الحكم مرجوح أيضا في نظر العقل فإنّه مع رجحان جانب المظنون يكون الحكم به راجحا على نحو رجحان المحكوم به ، فيكون ترك الحكم أيضا مرجوحا كالحكم بخلاف ما ترجّح عنده من المحكوم به.
وثانيا : أنّه إنّما يمكن التوقّف في الحكم والفتوى ، وأمّا في العمل فلا وجه للتوقّف ، إذ لابدّ من الأخذ بأحد الجانبين ، فإمّا أن يؤخذ الجانب الراجح أو المرجوح ، ويتمّ الاستدلال.
وقد أشار إلى هذه الحجّة في الإحكام في حجج القائل بحجّية أخبار الآحاد وقال : إنّه إمّا أن يجب العمل بالاحتمال الراجح والمرجوح معا ، أو تركهما معا ،
__________________
(*) أي : الوجه الثاني من وجوه حجّية مطلق الظنّ.