المذكور دليلا على حكم الشرع ، لكن إمكان الفرض المذكور لا يخلو عن نظر ، إذ لا مجال ظاهرا في إدراك ذلك إلّا بتوسّط حكمه بالتحسين والتقبيح وحكمه بانطباق الحكم الشرعي على ما حكم به حسب ما يقتضيه القواعد العقليّة ، فإنّ ما يدرك حكم الشرع حينئذ بالملازمة المذكورة ، ويكون الدليل على حكم الشرع حينئذ هو ما حكم به من التحسين والتقبيح على ما قرّرنا.
وكيف كان ، فعلى فرض وقوع ما ذكر من الفرض يكون الدليل العقلي هو ما يوصل العقل إلى الحكم المفروض لا نفس حكمه ، هذا إذا كان حكمه نظريّا ، وإن كان ضروريّا لم يمكن عدّه إذن من الأدلّة بحسب الاصطلاح ، وكان عدّ العقل بالنسبة إليه دليلا مبنيّا على معناه اللغوي ، حيث إنّه الهادي إليه لكن دعوى حصول الضرورة في الإدراك المفروض غير ظاهر ، حسب ما يأتي الإشارة إليه ، هذا.
وقد ظهر بما قرّرنا أنّ هنا أمرين :
أحدهما : إثبات حكم العقل بالنسبة إلى التحسين والتقبيح.
ثانيهما : كون حكمه به دليلا على حكم الشرع والثاني من مسائل الاصول ، إذ مفاده إثبات حكومة العقل وليس بحثا عن الأدلّة ، بل إثبات لما يدّعى دلالته على حكم الشرع ، والثاني من مباحث اصول الفقه نظير إثبات حجّية الكتاب وخبر الواحد وغيرهما من الأدلّة ، فالأوّل مبادئ للثاني ، حيث إنّه يتحقّق موضوع البحث فيه وحيث كان مقصودهم في المبادئ الأحكاميّة إثبات حكومة العقل جرت الطريقة على بيان مسألة التحسين والتقبيح العقليين في المبادئ الأحكاميّة دون الأدلّة الشرعيّة ، نظرا إلى ملاحظة الجهة المذكورة ، واكتفوا بذكرها هناك من بيانها في مباحث الأدلّة حذرا من التكرار ، وربّما يجعل الوجه فيه ندور المسائل المتفرّعة عليها ، لكون ما يستقلّ العقل بإدراكه من المسائل على الوجه المذكور من الامور الواضحة في الشريعة ، بل الضروريّات الخارجة من عدد المسائل الفقهيّة ، فلذا لم يذكروها في طيّ الأدلّة وأدرجوها في المبادئ الأحكاميّة ، وهو كما ترى ، هذا.