والقبح عندهم كما نصّوا عليه هو كون الفعل بحيث يترتّب المدح أو الذمّ عليه ، فهم لمّا نفوا حكم العقل جعلوا الحسن عبارة عن كون الفعل متعلّق مدح الشارع أو حكمه بنفي الذمّ عليه على اختلاف التفسيرين ، والقبح كونه متعلّق لذمّه من غير حصول استحقاق هناك في حكم العقل قبل ورود الشرع وبعده ، فلا فرق عندهم في ذلك بالنظر إلى العقل بين ما ورد الأمر به في الشريعة والنهي عنه في استحقاق المدح أو الذمّ ، إلّا أنّه ورد مدح المطيعين فصارت الطاعة حسنة وذمّ العاصين فصارت المعصية قبيحة ، ولو انعكس الأمر كان بالعكس.
فظهر بذلك : أنّه لا مدخل في النهي وعدمه في التحسين والتقبيح وكذا غيره ممّا ورد في الحدّين المذكورين. وقد يصحح الحدود المذكورة بالملازمة الاتّفاقية بين الامور المذكورة وتعلّق مدح الشرع أو ذمّه ، فلا مانع من أخذ أيّ منها في الحدّ.
وهو كما ترى ، مضافا إلى أنّه قد يورد على الحدّ الثاني أنّ ما لم يتعلّق به النهي يعمّ الحسن وغيره ممّا لم يتعلّق به حكم الشرع كأفعال المجانين والأطفال ونحوهما ، وكذا حال الأشياء قبل تعلّق حكم الشرع بها على ما ذهبوا إليه من خلوّها إذن عن الحكم فلا يكون حدّ الحسن مانعا.
وقد يورد ذلك على الثالث أيضا ، إذ لا حرج في شيء من الأفعال المذكورة ، وكذا في الأفعال قبل ورود الشرع ، وقد يذبّ عنه بأنّ الظاهر تقابل الحرج وعدمه تقابل العدم والملكة فلا يندرج فيه ما لا يكون قابلا لورود النهي.
وفيه : أوّلا : أنّه يلزم عدم صحّة اتّصاف شيء من أفعاله تعالى بالحسن مع توصيفهم له بذلك.
وثانيا : أنّ الأفعال قبل ورود الشرع قابلة للنهي ، وكذا أفعال الأطفال وغيرهم لجواز تعلّق التكليف بهم على مذهبهم ، ومع الغضّ عن ذلك نقول : إنّهم يجوّزون خلوّ بعض الأفعال عن الحكم ، وحينئذ يندرج ذلك في الحد.
ثمّ إنّ الظاهر من الحدود المذكورة للحسن على التفسير الأخير شموله لأربعة من الأحكام فيختصّ القبيح بالحرام.