في تحقيقه المتقدّم وكذا فيما حكاه من كلام الأمين الّذي هو عنده من التحقيق المتين بعدم حجّيته وإن أراد به البديهي عند جميع العقلاء فهو مع أنّه ممّا يتعذّر العلم به ـ إلّا على سبيل الحدس الّذي هو أيضا من العلوم الضروريّة المتوقّف حجّيتها على الاتفاق عليها عنده ـ مدفوع ، بأنّ الاتّفاق على الحكم بالبداهة لا يفيد الحكم بالصحّة إلّا من جهة توافق الأفهام ، واستنباط مطابقته للواقع من قبيل الاستنباط من الإجماع وإفادته العلم في الامور العقليّة محلّ إشكال ، وعلى فرضه فليس أقوى من سائر الضروريّات فكيف يجعل معيار الحجّية غيرها من البديهيّات.
وقد وافقه على ذلك صاحب الحدائق وقد حكى عنه كلاما ذكره في الأنوار النعمانيّة يشبه كلامه في شرح التهذيب واستحسنه ، إلّا أنّه صرّح بحجّية العقل الفطري الصحيح ، وحكم بمطابقته للشرع ومطابقة الشرع له.
ثمّ نصّ على أنّه لا مدخل له للعقل في شيء من الأحكام الفقهيّة ـ من عبادات وغيرها ـ ولا سبيل إليها إلّا السماع عنهم عليهمالسلام لقصور العقل المذكور من الاطّلاع على أغوارها.
ثمّ قال : نعم يبقى الكلام بالنسبة إلى ما لا يتوقّف على التوقيف فنقول : إن كان الدليل العقلي المتعلّق بذلك بديهيّا ظاهر البداهة ـ كقولهم الواحد نصف الاثنين ـ فلا ريب في صحّة العمل به ، فإن عارضه دليل عقلي آخر ، فإن تؤيّد أحدهما بنقلي كان الترجيح للمؤيّد بالدليل النقلي وإلّا فإشكال ، وإن عارضه دليل نقلي فإن تؤيّد العقلي أيضا بنقلي كان الترجيح للعقلي ، إلّا أنّ هذا في الحقيقة تعارض في النقليّات ، وإلّا فالترجيح للنقلي وفاقا للسيّد المحدّث المتقدّم وخلافا للأكثر ، هذا بالنسبة إلى العقلي بقول مطلق.
أمّا لو اريد المعنى الأخصّ وهو الفطري الخالي عن شوائب الأوهام الّذي هو حجّة من حجج الملك العلّام وإن شذّ وجوده بين الأنام ففي ترجيح النقلي عليه إشكال.