ومن هذا القسم أيضا ما تعارضت فيه الأخبار على وجه يتعذّر الترجيح فيها بالمرجّحات المنصوصة ، فإنّ مقتضى الاحتياط التوقّف في الحكم ووجوب الإتيان بالفعل متى كان يقتضي الاحتياط ذلك.
فإن قيل : إنّ الأخبار في الصورة المذكورة قد دلّ بعضها على الإرجاء وبعضها على العمل من باب التسليم.
قلنا : هذا أيضا من ذلك ، فإنّ التعارض المذكور ـ مع عدم ظهور مرجّح لأحد الطرفين ولا وجه يمكن الجمع به في البين ـ ممّا يوجب دخول الحكم المذكور في المتشابهات المأمور فيها بالاحتياط.
ومن هذا القسم أيضا ما لم يرد فيه نصّ من الأحكام الّتي لا تعمّ بها البلوى عند من لم يعتمد على البراءة الأصليّة ، فإنّ الحكم فيه ما ذكر كما سلف في مسألة البراءة الأصليّة ، انتهى.
وأنت خبير : بأنّ الصور المذكورة في كلامه ممّا لم يقم في شيء منها دليل على وجوب الفعل ، فيندرج الجميع فيما قرّره أوّلا من البناء على البراءة الأصليّة في نفي الوجوب من فعل وجودي إلى أن يثبت خلافه ، وقد ذكر أنّه لا خلاف في صحّة الاستناد إليه ، فحكمه هنا بوجوب مراعاة الاحتياط بالإتيان بالفعل تناقض واضح ، وكلامه هنا موافق لما ذكره المحدّث المذكور ، بل مأخوذ منه ، وقد اتّضح فساده بما قرّرناه وبما يأتي الإشارة إليه من الأدلّة على الأصل المذكور ، وفي الأخبار الّتي أشار إليها في المقام المتقدّم كفاية في إبطال (١) الحجج.
ثمّ إنّه قد تلخّص ممّا قرّرناه ذهاب الفاضلين المذكورين ومن تبعهما إلى لزوم مراعاة الاحتياط بالإتيان بالفعل مع دوران الأمر بين الوجوب وعدمه. وهذا القول وإن لم يعرف لأحد من الأصحاب بل قد عرفت حكاية جماعة (٢) على عدم
__________________
(١) في الأصل بعد لفظ الإبطال بياض ، وبعض النسخ كتب فيه لفظ الحجج كما في الكتاب.
(٢) في الأصل بعد لفظ جماعة بياض ، وينبغي أن يكون الساقط فيه لفظ «الإجماع». محمّد رحمهالله.