النهي هو طلب عدم الإيجاد ، ومفاد المادّة المعروضة لهما هو نفس الطبيعة وملاحظة التبادر أقوى شاهد على ذلك. وقد يقال : إنّ معنى الوجود والإيجاد مأخوذ في المصادر ، ألا ترى أنّ ضرب ويضرب يفيد الحكم بإيجاد الضرب في الماضي أو المستقبل. وفيه : أنّ دلالة الجمل على الوجود إنّما هي من جهة اشتمالها على النسبة ، فإنّ مناط النسبة الإيجابيّة هو الوجود ، كما أنّ مناط النسبة السلبيّة هو سلب الوجود ، وتلك النسبة في الإخبارات خبريّة وفي الإنشاءات إنشائيّة حاصلة باستعمال الصيغة في معناها ، ومفاد ذلك في المقام إيجاد الطلب لا إيجاد المطلوب ، فلا دلالة في نفس المبدأ على الوجود ، وإنّما يستفاد كون الطلب متعلّقا بالوجود من جهة الوضع الهيئي ـ حسب ما ذكرنا ـ فكون متعلّق الأمر والنهي نفس الطبيعة المطلقة لا ينافي كون متعلّق الطلب هو الإيجاد وعدم الإيجاد كما هو المدّعى.
ومنها : أنّ الأحكام الشرعيّة من الوجوب والندب والحرمة وغيرها إنّما يتعلّق بالماهيّات مقيسا إلى الوجود الخارجي ، فإنّ الوجوب رجحان إيجاد الماهيّة على عدمه رجحانا مانعا من النقيض ، والحرمة بالعكس وهكذا ، إذ لا يعقل اتّصاف الماهيّة مع قطع النظر عن الوجود بشيء من الأحكام الشرعيّة. فظهر بذلك أنّ متعلّق الرجحان والمرجوحيّة هو الوجود دون نفس الماهيّة.
ومنها : أنّ الوجوب والحرمة وغيرهما من الأحكام الشرعيّة من عوارض الوجود الخارجي لأفعال المكلّفين دون الوجود الذهني ولا نفس الماهيّة ، ضرورة أنّه لا يتّصف بالوجوب وأخواته إلّا فعل المكلّف بحسب الخارج فعلا أو تقديرا ، إذ من الواضح أنّ تصوّر فعله لا يتّصف بالوجوب حتّى يكون من عوارض الماهيّة أو من عوارض الوجود الذهني ، وإذا كانت الأحكام المذكورة من عوارض الوجود الخارجي كان المتّصف بها إمّا نفس الوجود الخارجي أو الماهيّة الموجودة بذلك الوجود ، وعلى التقديرين يتمّ المقصود.
وأمّا المقدّمة الثانية : فلأنّ المفروض اتّحاد الطبيعتين المفروضتين في