الحكمين عموم من وجه ، بل هي مباينة كلّية ، وإن كان تعلّقهما بالملاحظة الاولى كما هو المفروض في موضع النزاع لم يجر ذلك ، لاتّحادهما إذا في مورد الاجتماع نظرا إلى الوجه المذكور ، ويكون الأمر والنهي متعلّقين بهما من حيث كونهما متّحدين في الوجود ـ حسب ما قرّرنا ـ وسيجيء لهذا مزيد توضيح إن شاء الله تعالى.
ثانيها : أنّ الأحكام الشرعيّة إنّما يتعلّق بالماهيّات من حيث حصولها في ضمن أفرادها فالحكم على الماهيّة حينئذ إنّما يرجع إلى الحكم على أفرادها ، كما نصّوا عليه في تقرير دليل الحكمة لإرجاع المفرد المحلّى باللام إلى العموم ، فصرّحوا بأنّ الطبيعة من حيث هي لا يصحّ أن يراد من المفرد المعرّف إذا تعلّق به أحد الأحكام الشرعيّة ، كيف! ومن المقرّر أنّ القضية الطبيعية غير معتبرة في شيء من العلوم ، إذا المقصود منها معرفة حال ما وجد أو يوجد في الخارج ، ولا يستفاد من القضيّة الطبيعيّة حال الطبيعة في الخارج أصلا ولو على سبيل الجزئيّة، ولذا لم يتوهّم أحد إرجاع القضيّة الطبيعيّة إلى الجزئيّة كما أرجعوا المهملة إليها ، وليس المقصود بذلك تعلّق الأحكام بخصوص الأفراد ابتداءا ، بل المدّعى تعلّق الحكم بنفس الطبيعة من حيث حصولها في ضمن أفرادها ، وهناك فرق بين لحاظ الأفراد ابتداءا وإناطة الحكم بها ـ كما يقول القائل بتعلّق الأوامر بالأفراد ـ وبين إناطة الحكم بالطبيعة من حيث حصولها في ضمن الأفراد ، كما في تعريف الجنس في نحو قولك : البيع حلال ، فإنّ المراد به تعريف الطبيعة على ما هو ظاهر اللفظ. لكن لا من حيث هي بل من حيث حصولها في ضمن الأفراد واتّحادها بها ، وانّما يتعلّق الحكم المذكور بها من تلك الجهة فهو في الحقيقة قضيّة مهملة إلّا أنّه يرجع إلى العموم بملاحظة الحكمة ، وليس المراد بتعريف الجنس في الغالب إلّا ذلك دون ما يكون المراد به تعريف نفس الطبيعة من حيث هي ، كما في القضيّة الطبيعيّة في نحو «الرجل خير من المرأة» فإنّ ذلك لا يفيد إلّا حكم تلك الجهة من غير أن يفيد حكم الأفراد ، إلّا أنّ ذلك غير متداول في المخاطبات العرفيّة أيضا ، بل الملحوظ