والقول بان الأصل المذكور من الأدلّة على نفيه مدفوع ، بأنّ ذلك أوّل الكلام وقد عرفت عدم نهوض شيء من الأدلّة عليه ، كيف ولو سلّم قيام دليل شرعي على اعتباره في المقام لم يعقل معه القول بوجوب الاحتياط كما لا يخفى.
وأمّا الخامس : فبأنّ المكلّف به في المقام هو ما استعمل فيه اللفظ ومدلوله ، وهو من هذا الاعتبار ليس من الأحكام الشرعيّة ، بل هو من الامور العاديّة الجارية على نحو المخاطبات العرفيّة سواء قلنا بثبوت الحقيقة الشرعيّة أو لا.
وسنقرّر أنّ أصل العدم من حيث هو لا يتفرّع عليه ثبوت الأحكام الغير الشرعيّة ممّا يجعل موضوعا للأحكام الشرعيّة. ونقول أيضا : إنّ الماهيّات المفروضة امور جعليّة توقيفيّة ، ومثل ذلك لا مدخل لأصل العدم فيه ، كيف ولو كان كذلك لجاز إثبات بساطة الموضوع له بالأصل لو دار الوضع بين كونه للبسيط أو للمركّب منه ومن غيره ، وكذا بساطة اللفظ الموضوع لو دار بين كون اللفظ الموضوع بسيطا أو مركّبا ، كما إذا شكّ في كون اللفظ الموضوع بإزاء شخص لفظ «عبد» أو «عبد الله» فيحكم بالأوّل بمقتضى الأصل.
ومن البيّن : أنّ الاستناد إليه في ذلك يشبه الهذيان في وضوح البطلان ، ثمّ مع الغضّ عن ذلك كلّه فأصل العدم على فرض حجّيته في سائر المقامات إنّما ينهض حجّة فيما يدور الأمر بين وجود الشيء وعدمه ، سواء تعلّق الشكّ بوجود شيء استقلالا أو مع امور اخر ، وليس المقام من ذلك ، فإنّ المفروض دوران المطلوب بين شيئين ، لا قطع بتعلّق التكليف بأحدهما من (١) التكليف بالآخر كما قدّمنا القول فيه ، فهو نظير ما إذا دار التكليف بين مركّبين مختلفين وكان أحدهما أقلّ جزء من الآخر ، فإنّ عاقلا لا يتخيّل هناك ترجيح الأقلّ بالأصل ، مع أنّه لا فرق بينه وبين ما نحن فيه سوى اشتمال الأكثر في المقام على الأقلّ ، ولا ثمرة يترتّب عليه ، لما عرفت من عدم اقتضاء التكليف بالأكثر للتكليف بالأقلّ إلّا في ضمنه لا مطلقا ،
__________________
(١) مع ، خ ل.