الشارع سواء أفاد اليقين بالواقع أو لا ـ حسب ما نقول بمثله في مسألة الاستصحاب كما سيجيء بيانه.
ومع الغضّ عن ذلك فالحكم بالحلّ في الرواية مغيّى بعدم العلم بالتحريم. وبعد العلم به لو حصل الشكّ أو الظنّ بالحلّ فلا دلالة في الرواية على الحكم بحلّه أصلا ، فيستصحب التحريم من دون معارض. ولو كان ممّا توارد عليه الحالان ولم يعلم تقدّم أحدهما وتأخّر الآخر ـ ليؤخذ بمقتضاه ـ ففي جريان القاعدة المذكورة فيه نظرا إلى عدم العلم بالحرمة فيؤخذ بالحلّ إلى أن يعلم التحريم ، وعدمه نظرا إلى حصول العلم بحرمته بالخصوص في الجملة فيخرج عن مورد النصّ المذكور وجهان. وقد يؤيّد الأوّل عمومات الحلّ ، وكأنّه الأظهر.
وإن كان من الثاني (أعني ما إذا دار الأمر في المصداق بين الوجهين) فإن كان هناك قاعدة شرعيّة قاضية بالحلّ ـ كيد المسلم وإخبار ذي اليد القاضي بالحلّ والطهارة ـ فلا إشكال. أو بالمنع ـ كإخباره بحرمته أو نجاسته ، وكأصالة عدم التذكية بالنسبة إلى اللحوم والجلود ونحو ذلك ـ قضي بالمنع. وإن خلا من الأمرين فظاهر الرواية المذكورة قاضية فيه بالحلّ ، بل لا يبعد أن يكون ذلك هو مورد الرواية كما سنشير إليه.
ولو وجد حيوانا وشكّ في كونه من جنس المأكول أو غيره فهل يحكم بمجرّد ذلك بحلّه ، أو لابدّ من استعلام الحال في اندراجه في أحد الأصناف المحلّلة أو المحرّمة بالرجوع إلى أهل الخبرة والعلامات المنصوبة من الشرع؟ وكذا الحال في غير الحيوان من المأكول والمشروب الدائر بين المباح والمحرّم وجهان.
والّذي يتقوّى في النظر أن يقال : إن كان ذلك معلوم العين وكان مجهول الاسم أو مجهول الصفة ـ الّتي به يتميّز الحلال عن الحرام فيشكّ في شأنه من تلك الجهة ـ فلا يبعد كونه من الجهل بالحكم ، فيجب عليه التجسّس عنه ، ولا يجوز له البناء على الحلّ بمجرّد الجهل المفروض نظرا إلى الأصل المذكور. وهل يجوز له البناء على الحلّ مع العجز عن التجسّس وجوه : ثالثها التفصيل بين المجتهد وغيره.