من شرائط الاجتهاد ، إذ ظاهر ما ذكروه كون ذلك من شرائط تحقّق الاجتهاد وحصوله ، لا من شرائط جواز الأخذ به والاعتماد عليه ، كما حاوله الفاضل المذكور ، فهو بالدلالة على خلاف ما حاوله أولى هذا.
والأظهر في الجواب أن يقال : إنّ عدم تحقّق الفقاهة إلّا بتحقّق الاجتهاد لا يقضي بتوقّف تصوّره على تصوّره ، والدور المذكور إنّما يلزم بناء على الثاني دون الأوّل ، على أنّ تحقّق الفقاهة من أصله غير مفتقر إلى الاجتهاد كما هو الحال بالنسبة إلى من يأخذ الأحكام من الإمام عليهالسلام من غير واسطة ، إلّا أنّه قد توقّف حصوله على ذلك في عهد الغيبة من جهة العارض ، نظرا إلى خفاء الطرق ، ووقوع الفتن الباعثة على اختفاء الأحكام الشرعيّة.
وقد يورد الدور في المقام بوجه آخر بأن يقال : إنّ أخذ الفقيه في حدّ الاجتهاد يعطي توقّف حصول الاجتهاد على تحقّق الفقاهة ، ضرورة كونه الاستفراغ الحاصل من الفقيه ، ومن البيّن توقّف حصول الفقاهة على الاجتهاد فيلزم الدور في تحقّق الاجتهاد في الخارج ، لا في تصوّره ليندفع بما ذكر.
ويدفعه : منع توقّف كلّ من الاجتهاد والفقاهة على الآخر على نحو يوجب الدور ، غاية الأمر أن يستحيل انفكاك أحدهما عن الآخر لحصول الإناطة بينهما ، فالدور هناك معّي.
ومنه يظهر الجواب عن الإيراد الثاني : فإنّ ذلك الاستفراغ إنّما يعدّ اجتهادا إذا كان المستفرغ عالما بقدر يعتدّ به من الأحكام ، فإنّه حينئذ يكون حجّة بالنسبة إليه ، ويجوز لغيره تقليده فيه.
وأمّا قبل حصول الفعليّة المفروضة فهو كغيره ممّن يستنبط الأحكام من غير أن يعتدّ باستنباطه ، فصدق الفقه والاجتهاد في آن واحد وإن تقدّم منه حصول الاستفراغ. هذا إذا قلنا بتوقّف حجّية ظنّه على حصول الفعليّة المذكورة كما يبنى عليه (١) الحدّ المذكور.
__________________
(١) ينبئ عنه ، خ ل.