وأمّا إذا قلنا بجواز الرجوع إلى ظنّه بمجرّد قدرته على الاستنباط وحصول ملكة الاجتهاد له فلا إشكال إذن في صدق الاجتهاد على استفراغه الحاصل قبل حصول الفعليّة، فحينئذ يشكل الحال في الحدّ المذكور ، وينبغي أن يراد بالفعليّة حينئذ من له ملكة الفقه وإن لم يكن عالما بشيء منه فعلا ، ولا يخلو عن بعد ، والأولى على هذا ترك أخذ الفقيه في الحدّ.
وعن الثالث : أنّ المقصود حينئذ استفراغ الوسع في تحصيل الحكم على الوجه المعتبر ، كما هو الظاهر من لفظ الاجتهاد في الاصطلاح ، فلا يندرج فيه ما لا يعتدّ بشأنه. والقول بأنّه لا حاجة حينئذ إلى اعتبار قيد الفقيه في الحدّ مدفوع ، بأنّه إنّما اخذ ذلك فيه لإخراج استفراغ المقلّد وسعه في تحصيل قول المجتهد فيما إذا توقّف معرفته على ذلك ، فهو أيضا استفراغ للوسع في تحصيل الحكم الشرعي ، إلّا أنّه لا يعدّ اجتهادا في الاصطلاح ، وكذا فيما إذا بذل وسعه في تحصيل الاحتياط أو المشهور فيما وجب عليه العمل بذلك.
وعن الرابع : بأنّ المراد ببذل الوسع هو صرف النظر في التفتيش عن الأدلّة إلى أن يحصل له الاطمئنان بتحصيل ما هو مقتضى الأدلّة الموجودة ، بحيث يحسّ من نفسه العجز عن تحصيل ما عدا ذلك ممّا يفيد خلاف ما استفاده ، فيكون ما أدّى نظره إليه هو غاية ما يمكنه الوصول إليه ، وذلك أنّه يختلف حصوله بحسب اختلاف المسائل ، فربما يحصل بأدنى نظر في المسألة ، وقد يتوقّف على فحص جديد وتجسّس واف في الأدلّة ، وتأمّل تامّ في وجوه الاستنباط وطرق الاستدلال. وليس المراد به أن يصرف ما يسعه من النظر والزمان في كلّ واحد واحد من المسائل ، إذ المعلوم خلافه.
وفيه : أنّه لا يوافقه ظاهر التقرير المذكور ، فإنّ مفاد بذل الوسع في ذلك هو صرف الطاقة فيه على وجه لا يؤدّى إلى الحرج وأين ذلك من التفسير المذكور ، إلّا أن يقال : إنّ بذل الوسع إنّما يعتبر بالنسبة إلى مجموع المسائل الّتي يحتاج إلى استنباطها ، لا حصول كلّ مسألة. وحينئذ فيكتفي في كلّ منها بما يحصل به