فإنّ كون ما استنبطه هو مفاد تلك الأدلّة وأنّه هو الحكم الظاهري ـ المستفاد من الأدلّة القائمة ـ إنّما يثبت عند المستنبط على سبيل الظنّ ، نظرا إلى احتمال حصول المعارض ، أو احتمال حصول سهو منه في كيفيّة الاستنباط ونحو ذلك.
وعن السابع : بالتزام خروج استنباط المسائل القطعيّة عن الاجتهاد واندراج العلم بها في الفقه لا يستدعي كونها اجتهاديّة ، إذ مسائل الفقه كما سبقت الإشارة إليه على قسمين : قسم لم ينسدّ فيه سبيل القطع ، والأدلّة القطعيّة قائمة على إثباتها ، فتلك المسائل ليست متعلّقة للاجتهاد بحسب الاصطلاح ، ولذا ينقض حكم الحاكم مع خطائه فيها. وقسم آخر ممّا انسدّ فيه سبيل العلم ، فيؤخذ فيه بالظنّ ، وهو الّذي يتعلّق به الاجتهاد ، ولا ينقض فيه حكم الحاكم ولو عدل عنه ، أو رجعوا فيه إلى حاكم آخر.
نعم لو اتّفق حصول القطع للمجتهد في تلك المسائل بأن أدّاه النظر إلى ذلك أحيانا لم يخرج عن كونها اجتهاديّة ، وكون استفراغ وسعه في تحصيلها اجتهادا. فقد يشكل الحال في الحدّ بالنظر إلى ذلك ، إلّا أنّه يمكن دفعه إذن بنحو ما مرّ : من أنّ استفراغه الوسع في تلك المسألة إنّما كان لتحصيل الظنّ حيث إنّه المتوقّع فيها ، وإن اتّفق له حصول القطع فيندرج في الحدّ ، إذ لم يعتبر فيه حصول الظنّ أيضا ، فكما يندرج فيه ما إذا استفرغ الوسع في تحصيل الظنّ فاتّفق عجزه عن ذلك كذا يندرج فيه ما إذا اتّفق له حصول القطع بالحكم.
ويستفاد من غير واحد منهم استشكال الأمر في المقامين ، إلّا أنّه لا شاهد في الظاهر على اعتباره فلا إيراد عليه من جهته.
فظهر بما ذكرنا : أنّ ما زعمه بعض الأفاضل من اتّحاد متعلّق الفقاهة والاجتهاد ـ حيث جعل معرفة المسائل النظريّة فقها وتحصيلها واستنباطها عن أدلّتها اجتهادا سواء كانت قطعيّة أو ظنّية ـ ليس على ما ينبغي ، لخروجه عن ظاهر الاصطلاح ، حسب ما ينادي به ملاحظة حدودهم في المقام ويعطيه ملاحظة استعمالاتهم ، حيث يجعلون المسائل الاجتهاديّة في مقابلة المسائل الفقهيّة