أنّ التجزّي في القوّة والملكة غير معقول ، وكان الوجه فيه أنّ مسائل الفقه كلّها من قبيل واحد لاشتراكها في معظم المقدّمات ، والاحتجاج عليها إنّما يكون بسياق واحد ، فإن بلغ المستدلّ إلى حيث يتمكّن من إجراء الأدلّة وتفريع الفرع على الأصل يصحّ له ذلك في الجميع ، وإلّا لم يصحّ له في شيء منها.
والحاصل : أنّ القوّة الباعثة على الاقتدار على تحصيل تلك المسائل أمر واحد يختلف إعمالها بحسب اختلاف المسائل ، فلا يعقل فيها التجزّي والتبعيض.
وقد احتجّوا على المنع من التجزّي بأنّ كلّ ما يقدر جهله به يجوز تعلّقه بالحكم ، فلا يحصل له ظنّ بعدم المانع من الحكم بمقتضى ما وصل إليه من الأدلّة ، وهو كما ترى يعطي المنع من تحصيل الظنّ من أصله وعدم حصول الاجتهاد قبل تحصيل الجميع ، إذ لابدّ في الاجتهاد من استيفاء الأدلّة الموجودة ولو ظنّا ، ولا يحصل ذلك حسب ما ذكر لغير المجتهد المطلق. وهذان الوجهان وإن كانا في غاية الوهن والركاكة إلّا أنّهما مذكوران في كلامهم ، وقضيّة الأوّل المنع من تجزّي الاجتهاد بمعنى الملكة ، وقضيّة الثاني المنع من تجزّي الفعليّة وعدم إمكان انفكاك الظنّ ببعض المسائل عن بعض آخر ، فالظاهر وقوع الخلاف في كلّ من المقامين المذكورين ، إلّا أنّ الخلاف في المقام الأوّل في غاية الضعف والسخافة.
قال الشيخ سليمان البحراني في العشرة الكاملة : إنّ فرض التجزّي بمعنى الاقتدار على بعض المسائل دون بعض على وجه يساوي استنباط المجتهد المطلق أمر جائز ، بل واقع ، والمنازع فيها يكاد يلحق نزاعه بالمباهتة والمكابرة ، إلى آخر ما ذكر. فحقّ الخلاف أن يقرّر في المقام الثاني ، والظاهر أنّ ملحوظ الجماعة في البحث عن التجزّي وإن عنونوا المسألة بقبول الاجتهاد للتجزّي وعدمه الظاهر في إرادة المقام الأوّل ، إلّا أنّ الظاهر أنّ الملحوظ بالبحث هو اعتبار الحجّية دون حصول المظنّة ، حيث إنّ الاجتهاد بحسب الاصطلاح كما عرفت إنّما يطلق حقيقة على استفراغ الوسع في تحصيل الأحكام الشرعيّة ، بحيث يترتّب عليه أثر في الشريعة من جواز الأخذ بمؤدّاه ، أو الرجوع إلى الاصول