قلت : رجحان وجود الطبيعة بملاحظة ذاتها لا يستلزم رجحان وجود الطبيعة بحسب الخارج ، فإنّ الأوّل قضيّة طبيعيّة لا يقتضي إلّا ثبوت الحكم المذكور في الاعتبار المفروض ، كما أنّ خيريّة طبيعة الرجل من طبيعة المرأة لا يستلزم خيريّة أفراد الرجل من أفراد المرأة بحسب الواقع.
غاية الأمر أن يقضي بخيريّة جهة الرجوليّة من جهة الانوثيّة ، فثبوت شيء لشيء باعتبار مخصوص لا يقتضي ثبوته له بحسب الواقع ، ألا ترى أنّ قولك «الماء بارد» بملاحظة ذاته وطبيعته لا ينافي كونه حارّا بالعارض بمجاورة النار.
فظهر من ذلك أنّ قياس الفعل الواحد على الفعلين بيّن الفساد ، لوضوح الفرق بين الأمرين. فتبيّن ممّا قرّرنا : أنّ ثبوت الرجحان للطبيعة على الوجه المذكور لا يفيد إلّا كون الرجحان من شأن الطبيعة الموجودة لا ثبوت الرجحان لها بحسب الواقع ، إذ قد يكون في الفرد ما ينافي ذلك.
ومن البيّن : أنّ المعتبر على قواعد العدليّة رجحان الفعل على الترك بحسب الواقع في تعلّق الأمر به ، ومرجوحيّته كذلك في تعلّق النهي ، فبعد اجتماع الجهتين المفروضتين في الفرد إمّا أن يتساويا أو يترجّح جانب الأمر أو جانب النهي ، وعلى كلّ حال فلا يكون واجبا محرّما ـ كما هو مختار القائل باجتماع الأمرين ـ.
فإن قلت : انّ ذلك كلّه إنّما يتمّ مع عروض الرجحانيّة والمرجوحيّة المفروضتين لمعروض واحد. وأمّا مع عروض كلّ منهما لشيء واقترانهما في الوجود بالنسبة إلى الفرد المفروض فلا مانع فيه ، إذ لا مانع من اتّصاف ذات الشيء مثلا بالرجحان واتّصاف بعض أعراضه بالمرجوحيّة من غير تدافع بين الأمرين.
قلت : ليس الحال في المقام على الوجه المذكور ، إذ المفروض اتّحاد الكلّيّين المفروضين في الوجود وبحسب المصداق. وقد نصّ جماعة بتسليمه من المجوّزين للاجتماع وإنّما قالوا : إنّ ذلك لا يقضي بعدم تمايز الطبيعتين في أنفسهما.
قال بعض الأفاضل منهم : إنّ متعلّق الأمر طبيعة الصلاة ومتعلّق النهي طبيعة