لغيرهم لما عابوه. وقال فيه أيضا : واعلم أنّك مخبر في حال فتواك عن ربّك ، فما أسعدك إن أخذت بالجزم ، وما أخيبك إن بنيت على الوهم ، فاجعل فهمك تلقاء قوله تعالى (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(١) انتهى.
وفي ملاحظة أحوال الرواة أيضا ما يفيد ذلك فقد روى الكشّي عن أبي حنيفة قال له : أنت لا تقول شيئا إلّا برواية؟ قال : أجل (٢). وروى الكشّي وغيره من أكثر علمائنا المتقدّمين وخواصّ الأئمّة عليهمالسلام أيضا مثل ذلك ، بل ما هو أبلغ منه.
وقد صنّف جماعة من قدمائنا كتبا في ردّ الاجتهاد وعدم جواز الأخذ به.
منها : كتاب النقض على عيسى بن أبان في الاجتهاد ، وذكره النجاشي والشيخ في مصنّفات الشيخ الجليل إسماعيل بن إسحاق عن أبي سهل بن نوبخت.
ومنها : كتاب نقض اجتهاد الرأي على ابن الراوندي ، ذكره الشيخ في ترجمة إسماعيل المذكور نقلا عن ابن النديم أنّه من مصنّفاته.
ومنها : الاستفادة في الطعون على الأوائل والردّ على أصحاب الاجتهاد والقياس ، من مصنّفات عبد الله بن عبد الرحمن التبريزي ، ذكره النجاشي.
ومنها : كتاب الردّ على من ردّ آثار الرسول واعتمد على نتائج العقول ، من مؤلّفات الشيخ الجليل هلال بن إبراهيم بن أبي الفتح المدني ، ذكره النجاشي.
ومنها : كتاب النقض على ابن الجنيد في اجتهاد الرأي ، من مؤلّفات الشيخ المفيد. إلى غير ذلك من الكتب المؤلّفة في هذا الشأن.
أقول : وأنت خبير بأنّه لا دلالة في شيء ممّا ذكر على ما ادّعاه بل لا إشعار فيها على ما ذكره. أمّا عبارة الكليني والصدوق رحمهماالله فلظهور أنّ المقصود ممّا ذكراه عدم جواز الاعتماد في الأحكام الشرعيّة على الظنون العقليّة والاستحسانات الظنّية والتخريجات التخمينيّة كما هي الطريقة المتداولة بين العامّة. ومن البيّن إطباق أصحابنا على المنع منه ، وليس في كلامهما ما يفيد غير ذلك. وليس مقصودهما عدم جواز الاجتهاد ، بمعنى بذل الوسع في فهم الكتاب والأخبار
__________________
(١) سورة البقرة : ١٦٩.
(٢) رجال الكشي : ص ٣٨٤ ، رقم ٧١٨.