تصدّوا لذلك أحيانا عند مسيس الحاجة ، وهؤلاء لا يتعرّضون غالبا للفروع الغير المنصوصة وهم المعروفون بالأخباريّة.
وطائفة منهم أرباب النظر والبحث عن المسائل ، وأصحاب التحقيق والتدقيق في استعلام الأحكام من الدلائل ، ولهم الاقتدار على تأصيل الاصول والقواعد الكلّية عن الأدلّة القائمة عليها في الشريعة ، والتسلّط على تفريع الفروع عليها واستخراج أحكامها منها ، وهم الاصوليّون منهم : كالعمّاني والإسكافي وشيخنا المفيد وسيّدنا المرتضى والشيخ قدّس الله أرواحهم وغيرهم ممّن يحذو حذوهم.
وأنت إذا تأمّلت لا تجد فرقا بين الطريقتين إلّا من جهة كون هؤلاء أرباب التحقيق في المطالب ، وأصحاب النظر الدقيق في استنباط المقاصد ، وتفريع الفروع على القواعد ، ولذا اتّسعت دائرتهم في البحث والنظر ، وأكثروا من بيان الفروع والمسائل ، وتعدّوا عن متون الأخبار إلى ما يستفاد منها بالفحوى أو بطريق الالتزام أو غيرهما. واولئك المحدّثون ليسوا غالبا بتلك القوّة من الملكة وذلك التمكّن من الفنّ ، فلذا اقتصروا على ظواهر الروايات ولم يتعدّوا غالبا عن ظاهر مضامينها ، ولم يوسّعوا الدائرة في التفريعات على القواعد ، وإنّهم لمّا كانوا في أوائل انتشار الفقه وظهور المذهب كان من شأنهم تنقيح اصول الأحكام الّتي عمدتها الأخبار المأثورة عن العترة الطاهرة ، فلم يتمكّنوا من مزيد إمعان النظر في مضامينها ، وتكثير الفروع المتفرّعة عليها. ثمّ إنّ ذلك إنّما حصلت بتلاحق الأفكار في الأزمنة المتأخّرة ، ولا زالت تتزايد بتلاحق الأعصار وتزايد الأفكار.
هذا ، وقد ظهر ممّا ذكرناه : أنّ ما حكاه عن ضرير وأضرابه من اقتصارهم على موارد النصوص ممّا لا منافاة فيه لما ذكرنا ، مع ما هناك من البون البعيد بيننا وبين اولئك ، لكونهم في عصر الإمام عليهالسلام وعدم احتياجهم في كثير من المسائل إلى الاجتهاد ، على أنّه لا يبعد أن يكون مقصوده بذلك عدم احتياجه في استنباط الأحكام الشرعيّة إلى القياس ونحوه من التخريجات العقليّة الظنّية ممّا لا يستند