حيث إنّه ظنّ. وأمّا بعد الأول إلى العلم وقيام الدليل القاطع على تعيين العمل بالوجوه المقرّرة أفادت العلم بالواقع أو لم تفد ، فلا ريب أنّ الفتوى والعمل إنّما يكون حينئذ بالعلم دون غيره ، فلا تندرج الصورة المفروضة في شيء من الآيات والروايات المذكورة لعلم المفتي (١) والعامل بكون ذلك هو المقصود منه في الشريعة والمكلّف به في حكم الشرع وإن لم يعلم بكون ذلك هو الحكم الأوّلي.
وقد أشار إلى ذلك الشيخ في العدّة كما مرّ ، والأخبار المانعة عن الفتوى بالرأي إنّما يراد بها ما تداولته العامّة أو ما بمعناه من الاستحسان ونحوه. وأمّا الرجوع إلى الكتاب والسنّة وسائر الاصول المقرّرة في الشريعة فليس من الرجوع إلى الرأي أصلا وإن لم يستفد منها العلم بالواقع ، سيّما بعد قيام الدليل القاطع على وجوب الأخذ بها كما هو المدّعى.
وأمّا ثانيا : فبأنّ تلك الروايات وإن سلّم كونها متواترة لكن دلالتها على ما ذكر ليست قطعيّة ، فلو لم نقل بأنّ الظاهر منها النهي عن الأخذ بما لا يعلم تجويز الشارع الأخذ به فلا أقلّ من احتمال ذلك ولو احتمالا مرجوحا. وكذا يحتمل ورود التقييد على تلك الإطلاقات فلا يزيد مفادها على الظنّ ، ففي الاستناد إليها على المدّعى إبطال لأصل الدعوى.
وأمّا ثالثا : فبأنّه لو سلّم دلالتها على ذلك وجواز الاستناد إليها فيما ذكر ، فلا مانع من ورود التقييد عليها بعد ثبوت المقيّد.
ومن البيّن : أنّ القائل بحجّية الظنون الخاصّة أو مطلق المظنّة حين انسداد سبيل العلم به إنّما يقول به بدليل قطعي ، لما عرفت من عدم حجّية الظنّ من حيث إنّه ظنّ من غير خلاف ظاهر فيه ، وظاهر أنّه بعد ثبوته بالدليل لا وجه للاستناد إلى الإطلاق.
ومنها : ما دلّ عليه الأخبار المتواترة بل ضرورة دين الإسلام من أنّ حلال محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، فإنّ ذلك ينافي
__________________
(١) بياض في الأصل.