أن يأتي المخصّص ، واستصحاب الحكم الثابت إلى أن يثبت نسخه. ولو قيل بحصول القطع هناك بتجويز الشرع فهو بعينه جار في المقام ، إذ القائلون بحجّية الظنّ إنّما يقولون به لقيام الدليل القاطع عليه لا بمجرّد كونه ظنّا.
وثانيا : بالفرق الظاهر بين الإمام والمجتهد ، فإنّ الإمام عليهالسلام أمين الله على كافّة الأنام وله الرئاسة العامّة ووجوب الطاعة على الخاصّ والعامّ وهو مرجع الجميع في استفادة الأحكام ، ومع ذلك لا يستند في العلم بها إلى الأسباب الظاهرة.
ومن البيّن أنّ مجرّد العدالة غير كاف في اطمئنان النفس بمثل ذلك ، إذ لا تطمئنّ بقول العدل إذا ادّعى شيئا خارجا عن المعتاد خارقا للعادة الجارية بين الناس ، بل يتسارع الظنون إليه بالتهمة.
نعم لو دلّ الدليل على عصمته كان قوله برهانا قاطعا لا مجال لإنكاره. فالفرق بينه وبين المجتهد ظاهر من وجوه شتّى فاعتبار العصمة فيه لا يقضي باعتبارها في المجتهد الّذي هو بمنزلة الراوي عنهم عليهمالسلام ، ولا يكون السبيل الّذي يستنبطه ذلك المجتهد قطعيّا بعد القطع بوجوب العمل بمؤدّاه.
ومنها : أنّ فتح سبيل العلم على المكلّفين وتكليفهم بالعلم بالأحكام من اللطف ، فيجب أن يكون حاصلا لوجوب اللطف على الله تعالى. أمّا الصغرى فلما فيه من تقريب العبد إلى الطاعة وإبعاده عن المعصية ما ليس في الظنّ ، لوضوح أنّ اليقين أدعى إلى تحصيل الامتثال من الظنّ. وأمّا الكبرى فظاهرة.
والجواب عنه أمّا أوّلا : فبأنّ العلم والظنّ مشتركان فيما ذكر إذا كان الظنّ منتهيا إلى اليقين كما هو المفروض في المقام ، لظهور كون المكلّف في مقام العمل عالما بالتكليف قاطعا به.
نعم لو قيل بابتناء التكليف على الظنّ من حيث إنّه ظنّ لربما أمكن التمسّك في دفعه بما ذكر. فظهر بذلك فساد ما قد يقال : إنّه مع كون المسألة ظنّية لا ركون (١)
__________________
(١) في النسخ : لا كون على ترتّب.