الوقت وقضاء الظنّ الثاني باشتغال الذمّة بأداء الفعل على الوجه الّذي اقتضاه الظنّ المفروض لابدّ من الإتيان به على ذلك الوجه ، فلا يفتقر الحكم بالاشتغال حينئذ إلى تعلّق أمر آخر حتّى يمكن دفعه بالأصل.
قلت : بعد الحكم شرعا بحصول البراءة بأداء الفعل على مقتضى الظنّ الأوّل لا يبقى مجال للحكم بالاشتغال به بناء على الوجه الثاني ، لوضوح أنّه ليس هناك إلّا تكليف واحد ، فإذا كان الوجه الأوّل طريقا إلى تفريغ الذمّة شرعا ولم يقم دليل على فساد ذلك الطريق وعدم جواز الأخذ به صحّ الحكم بالبراءة ، وحينئذ فلا وجه للحكم بالاشتغال من جهة الظنّ الثاني. نعم لو لم يأت بالفعل على الوجه الأوّل تعيّن الإتيان به على نحو ما يقتضيه الظنّ الثاني.
فإن قلت : كما قضى الظنّ الأوّل بحصول البراءة بإتيان الفعل على الوجه الأوّل فقد قضى الظنّ الثاني بعدم حصول البراءة إلّا بإتيانه على الوجه الثاني ، وكما أنّ الأوّل طريق شرعي فكذا الثاني فأيّ وجه للترجيح؟
قلت : لا ريب أنّه بعد تعارض الظنّين المفروضين لا وجه للحكم بترجيح الأوّل بل يتعيّن الأخذ بالثاني ، كما إذا لم يأت به على الوجه الأوّل حسب ما ذكرناه. وأمّا في الصورة المفروضة فلا تعارض بين الظنّين المفروضين ، إذ بعد الحكم بحصول البراءة بالفعل الأوّل لا اشتغال في ظاهر الشرع حتّى تكون قضيّة الثاني توقّف البراءة عنه بإتيانه على الوجه الثاني.
نعم لو قضى الظنّ الثاني بعدم حصول البراءة بما أتى به أوّلا تمّ الكلام المذكور ، إلّا أنّك قد عرفت أنّه لا دليل على حجّية الظنّ الثاني إلّا بالنسبة إلى ما بعد حصوله أمّا بالنظر إلى الفعل الواقع قبل حصوله فلا. وحينئذ فمع عدم حجّية الظنّ المفروض إلّا بذلك الوجه المخصوص لا يبقى مجال للمعارضة بين الظنّين حسب ما قرّرناه. وأمّا العقود والإيقاعات الواقعة على مقتضى الاجتهاد الأوّل فإمّا أن تكون صادرة عن المجتهد المفروض أو عن مقلّديه ، فإن كانت صادرة عن المجتهد فإمّا أن ينضمّ إليها حكم الحاكم أو لا؟ أمّا على الأوّل فقد نصّ جماعة بعدم نقضه ويعلّل ذلك بوجهين :