وقد يتوهّم أنّ ما أتى به حينئذ بعض ما كلّف به فلا يقضى بالبراءة وقد سقط عنه ذلك التكليف بعد العلم بالتعيين ، فيرجع إلى ما كلّف به أوّلا من الصلاة الواقعة في ثوب معلوم الطهارة أو الجهة المعيّنة للعلم بحصول الاشتغال وعدم أداء المكلّف له. ووهنه ظاهر ، إذ كونه مكلّفا بتكرار العمل ليس تكليفا واقعيّا ، لوضوح كون الصلاة الواجبة متّحدة ، وإنّما وجوب ذلك من جهة المقدّمة العلميّة وتحصيل اليقين بتفريغ الذمّة فإذا تيقّن بعد الإتيان بالفعل بأداء الواجب على ما هو عليه وحصل له العلم فقد حصل له ما هو المطلوب من التكرار ، وسقط التكليف به وسقط عنه أصل الواجب لأدائه مستجمعا لشرائطه. وكون ما أدّاه بعضا من المكلّف به ظاهرا نظرا إلى الجهة المذكورة لا يقضي بعدم تفريغ ذمّته بعد القطع بأداء الواجب.
هذا ما يتقوّى في النظر في أعمال الجاهل الّذي لم يأخذ الأحكام أو الموضوعات على الوجه المقرّر في الشريعة.
وللقوم في مسألة عبادات الجاهل أقوال عديدة :
أحدها : ما حكي الشهرة عليه بين الأصحاب ، وهو الحكم بفساد عباداته أجمع سواء اتّفقت مطابقته للواقع أو لا ، وسواء كان قاصرا عن معرفة الأحكام أو مقصّرا في معرفتها.
ثانيها : الحكم بالصحّة مع المطابقة الاتّفاقيّة ، سواء كان مقصّرا في استعلام الأحكام أو قاصرا غافلا عنه ، وهو مختار المحقّق الأردبيلي.
ثالثها : أنّ المسألة إن كانت من ضروريّات الدين أو المذهب أو الإجماعيّات وخالف فيها الواقع كانت فاسدة ، وإن لم تكن كذلك كانت صحيحة ، سواء كان قاصرا أو مقصّرا ، وافق الواقع أو خالفه. وهو الّذي ذهب إليه الفاضل التستري على ما يظهر من كلامه في منبع الحياة وشرحه على تهذيب الحديث.
رابعها : صحّة عباداته الواقعة منه حال قصدها وغفلته وزعمه صحّتها من جهة جهالته سواء طابقت الواقع أو خالفته. ولو كانت المخالفة في المسائل الضروريّة