ومن البيّن : أنّ مرجوحيّة المكروه لا يوازي رجحان الواجب ، فغاية الأمر أن يحصل هناك نقص في ثواب الواجب ويكون الفعل بعد ملاحظة الجهتين راجحا لا مكروها بمعناه المصطلح ، نعم يثبت له الكراهة بالمعنى المذكور بالنظر إلى ذاته ، وذلك لا يستدعي ثبوت الكراهة له في خصوصيّات الموارد مطلقا ، إذ قد يعرضه ما يحصل بسببه رجحان يوازي تلك المرجوحيّة ويزيد عليها فيرتفع الكراهة بالمعنى المذكور عن ذلك الفعل ، غاية الأمر أن يكون أقلّ ثوابا عن العاري عن تلك المنقصة.
نعم لو قلنا حينئذ ببقاء المرجوحيّة بالمعنى المذكور صحّ ما ذكره من النقض إلّا أنّه ليس كذلك. ومن ذلك يظهر الجواب عمّا ذكروه من ثبوت الكراهة لبعض العبادات ، فإنّ الكراهة هناك ليس بمعناها المصطلح بل بمعنى أقلّية الثواب كما نصّ عليه جماعة من علمائنا ، وقد اختاره هنا جماعة من الأفاضل جوابا عن الإيراد المذكور.
وأورد عليه : أنّه يلزم حينئذ أن يكون معظم العبادات مكروهة ، إذ ما من عبادة إلّا وهو أقلّ ثوابا من الأفضل كالصلاة في البيت بالنسبة إلى الصلاة في مسجد المحلّة والصلاة في مسجد المحلّة بالنسبة إلى الصلاة في مسجد الجامع وهكذا مع أنّه لم يتوهّم أحد عدّ شيء من ذلك من جملة المكروهات.
والجواب : أنّه ليس المراد مجرّد أقلّية ثوابها بالنظر إلى غيرها ، بل المقصود كونها أقلّ ثوابا بالنظر إلى ما اعدّ من الثواب لتلك العبادة في حدّ ذاتها فقد يجيء هناك ما يوجب مزيد ثوابها عن ذلك ـ كما في الصلاة في المسجد والجماعة ونحوها ـ وقد يجيء هناك ما يوجب النقص عنه ـ كالصلاة في الحمّام ـ فكراهة الصلاة في الحمّام نظير استحباب الصلاة في المسجد ، فكما أنّ ذلك يقتضي زيادة ثواب فهذا يقتضي نقصانه ، فمطلوبيّة تركها على الوجه المذكور إنّما هو من جهة النقص الحاصل فيها ، فالغرض من النهي المفروض إخلاء الفعل عن تلك المنقصة بأن يترك الفعل المشتمل عليها ويأتي بالخالي عنها ، لا أنّ ذلك الفعل المشتمل