الثالث : في بيان المراد من اليقين والشكّ المأخوذين في موضوع الاستصحاب فنقول : إنّ المعنيّ باليقين أعمّ من العلم الوجداني والعلم الشرعي أي ما قامت أمارة شرعية على ثبوته ، وبالشكّ خلاف اليقين بالمعنى المزبور ، فيخرج عن مورده ما لو علم بقاء الحكم أو عدم بقائه أو قام دليل شرعي على أحد الأمرين. وبعبارة اخرى يعتبر أن يكون البقاء خاليا عن الدليل أعني الدليل الخاصّ ليكون الاستصحاب دليلا على البقاء على تقدير حجّيته وإلّا بقي المتيقّن السابق مشكوكا فيه ، بل نقول لو قام دليل شرعي على أنّ ما كان متيقّنا في زمان وشكّ في بقائه بعد ذلك الزمان فهو باق واقعا كان هذا أيضا خارجا عن الاستصحاب لمكان الدليل كما إذا دلّ دليل على أنّ من كان وكيلا لأحد وشكّ في عزل الموكّل إيّاه فوكالته باقية إلى زمان العلم بالعزل ، وكما إذا دلّ الدليل على أنّ الزوجة لو شكّت في حياة زوجها فالزوجية المتيقّنة في السابق باقية إلى زمان علمها بموته فتعتدّ من ذلك الحين ، فإنّ أمثال ذلك ليست من الاستصحاب في شيء بل ممّا قام الدليل على البقاء حتّى أنّه بعد انكشاف الحال وعزل الموكّل إيّاه في السابق أو موت الزوج قبل ذلك يحكم بثبوت الوكالة أو الزوجية واقعا يترتّب عليها آثارها.
لا يقال : يلزم على هذا البيان عدم كون الاستصحاب المأخوذ من حكم العقل بناء على كون اعتباره من باب الظنّ داخلا في حقيقة الاستصحاب ، لأنّه حينئذ دليل اجتهادي على البقاء وقد فرضت اعتبار خلو المورد عن الدليل.
لأنّا نقول : على تقدير كونه دليلا أيضا نقول إنّ مرتبته متأخّرة عن سائر الأدلّة فإنّه دليل حيث لا دليل غيره كما هو كذلك في الاستقراء والغلبة الظنّيين على ما هو محرّر في محلّه ويأتي بيانه في مقامه في المتن أيضا ، هذا كلّه بعض ما يتعلّق بحقيقة الاستصحاب ثمّ نتعرّض لبعض ما يتعلّق بالتعاريف المذكورة في المتن.