تنسب تلك المعاني إلى جعل الشارع بالعرض والمجاز وإلّا فمجعولة في الواقع وفي الحقيقة ليس سوى التكليف المحض ، إنما الإشكال والخلاف في أنه هل يمكن للشارع جعل الأحكام الوضعية مستقلا بجعل على حدة مغاير لجعل التكليف بحيث يحصّل في الخارج أمرا مجعولا متأصّلا منشأ لمثل آثار الأحكام التكليفية واللوازم والغايات ولم يكن تابعا لجعل شيء آخر ، كأن ينشأ سببية الدلوك لوجوب الصلاة ويقول جعلت الدلوك سببا للوجوب بعد أن لم يكن لمصلحة أو لا لها على القولين ، ويتبعه وجوب الصلاة عند الدلوك لا محالة ، فالمثبت للحكم الوضعي يدّعي إمكان هذا المعنى فيحمل عليه الخطابات الواردة في الشرع بلسان الوضع ، والمنكر يدّعي استحالته فيحمل تلك الخطابات على أنّ المقصود منها جعل التكاليف التي يصح انتزاع هذا الوضع منها ، ويكون التعبير بذلك الأمر الانتزاعي لنكتة لا نعرفها أو نعرفها أحيانا.
ثم لا يخفى أنّ التكليف الذي يتبع الوضع يكون متأصلا مستقلا بالجعل ليس كالوضع التابع للتكليف وليس محض الانتزاع العقلي الذي لا حقيقة له ، أمّا على قول منكري الحكم الوضعي فواضح ، لأنّ المقصود منه جعل التكليف ليس وراءه مجعول أصلا ، وأمّا على قول المثبتين فلأنّ جعل الشارع شيئا سببا للوجوب من قبله لا يعقل من دون جعل إيجاب من عنده بعد وجود السبب فيكشف الخطاب الدال على الجعل الأول أعني الوضع عن جعل التكليف الذي يتبعه ، فيتحصّل مجعولان متأصّلان أحدهما مصرّح به في لسان الدليل أي الوضع والآخر غير مصرح به مفهوم منه بالملازمة العقلية ، نظير وجوب الشيء ووجوب مقدّمته على القول به فإنّ الأمر يدلّ صريحا على وجوب نفس الواجب ويدلّ على وجوب مقدّمته أيضا بحكم العقل بالملازمة بينهما.
ولا يخفى أنّه لا يلزم عقلا أن يكون الوضع مستعقبا للتكليف وإن كان كذلك