صح لك أن تقول إنّا لا نجد سوى التكليف صح لنا أن نعارضك ونقول لا نرى إلّا الوضع في جميع الأحكام ، حتى في مثل أقيموا الصلاة أمكننا أن نقول إنّ المجعول سببية فعل الصلاة للقرب والزلفى والوصول إلى مثوبات الله والفوز إلى السعادة الأبدية ، بل يمكن أن يقال في قوله أكرم زيدا إن جاءك وشبهه من التكاليف المشروطة بأمر غير حاصل حين إنشائها لا يعقل سوى جعل السببية والملازمة بين الشرط والجزاء فيتبعه التكليف بالمشروط.
بيان ذلك : أنه إذا علّق الوجوب على أمر غير حاصل فلا شك في أنه لا يتحقق الوجوب من حين هذا الانشاء لعدم حصول شرطه بالفرض إلّا أن يرجع الواجبات المشروطة بأسرها إلى الواجبات المعلّقة وهو كما ترى وسيتضح فساده ، ولا شك أيضا أنه لا يحتاج تحقق الوجوب عند حصول الشرط إلى إنشاء آخر بخطاب آخر بل يكفي في تحقّقه نفس الانشاء السابق مشروطا ، ولا يكون لذلك معنى إلّا جعل الملازمة بين ذلك الشرط والوجوب وإلّا فمن أين يأتي هذا الوجوب.
لكن لا يخفى أنّ هذا الإشكال وارد على القولين لما ذكرنا سابقا من أنّ التكليف الذي يتبع الوضع بناء على القول بمجعولية الأحكام الوضعية مجعول بجعل مستقل وليس انتزاعيا صرفا كعكسه على القول الآخر ، وحلّه أنّ الواجبات المشروطة إنّما يكون تحصّلها عند حصول الشرط لكن بسبب الانشاء السابق ، فالانشاء السابق يؤثّر في حصول الحكم فيما سيأتي حين تحقق شرطه ، وتمام البيان موكول إلى محله في تصوير الواجب المشروط ، ولعلّنا نتعرّض له في محل مناسب له.
وبالجملة محصّل الجواب عن هذا الوجه : أنّ حال جعل سببية المجيء لوجوب الاكرام حال جعل وجوب الاكرام عند المجيء بحسب الامكان