الجواز في المقام الأول وذيله يدلّ على إثبات الجواز في المقام الثاني (١) انتهى.
والتحقيق أن يقال إنّ هنا مقامات ثلاثة : الأول أن يراد تخصيص العام الاجتهادي بمجرد الاستصحاب كما إذا اريد تخصيص عموم قوله كل ملح حلال وطاهر باستصحاب حرمة الملح المستحيل من الكلب ونجاسته ، وكما إذا اريد تخصيص عموم قوله بول الغنم طاهر وقوله دم البق والبرغوث طاهر باستصحاب نجاسة البول أو الدم الذي شربه الغنم أو امتصه البق من بول غير المأكول ودمه ، وكما إذا اريد تخصيص عموم قوله إذا بلغ الماء قدر كرّ لم يحمل خبثا بناء على أنه أعم من الرفع والدفع باستصحاب نجاسة الماء النجس المتمم كرا ، إلى غير ذلك من الأمثلة.
الثاني : أن يراد إبقاء حكم المخصص بالاستصحاب فيما إذا ورد عام وورد مخصص ثم شك في بقاء حكم المخصص بعد ثبوته في برهة من الزمان كما إذا ورد أكرم العلماء في كل يوم أو دائما وثبت عدم وجوب إكرام فرد يوم الجمعة وشك في الحكم فيما بعد يوم الجمعة ، ومثله مسألة خيار الغبن بالنسبة إلى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.)
الثالث : أن يراد إبقاء موضوع المخصص بالاستصحاب كما إذا ورد أكرم العلماء إلّا فسّاقهم وكان زيد فاسقا وشك في بقاء فسقه ، وقد عرفت أنّ مختار صاحب الفصول في المقام الأول العمل على العموم وفي الأخيرين العمل بالاستصحاب.
ونحن نقول : أمّا المقام الأول فالحق معه لما ذكره من أنّ العام دليل ولا مجرى للاستصحاب إلّا مع فقد الدليل ، وهكذا نقول في المقام الثاني مع فرض
__________________
(١) الفصول الغروية : ٢١٤ ـ ٢١٥.