قوله : فالأولى في الجواب أن يقال إنّ دليل الاستصحاب بمنزلة معمّم للنهي السابق (١)
هذا الجواب أيضا مدخول فيه بأنّ دليل الاستصحاب بملاحظة كونه معمّما للنهي السابق أيضا في عرض أدلة البراءة بالنسبة إلى حال الشك لاتّحاد موضوعهما ، فكأنه قال المشكوك حكمه أن يؤخذ فيه بالحالة السابقة وهي الحرمة ، وقال أيضا المشكوك حكمه الحلية فيتعارضان ، فالأولى أن يجاب إمّا بأنّ الظاهر من أدلة البراءة هو الحكم بحلّية المشكوك في كل مورد لم يصل إلينا من الشارع التعبّد بشيء آخر من احتياط أو استصحاب أو نحوهما (٢) ، وإمّا بأنّ الشك في الحلّية والحرمة فيما كان مسبوقا بالحرمة ناش عن الشك في بقاء الحرمة السابقة وسيأتي أنّ أحد الشكين إذا كان مسببا عن الآخر لا يجري الأصل فيه ، بل يجري الأصل بالنسبة إلى السبب فقط.
وبتقرير آخر : أنّ موضوع الاستصحاب هو الشك في البقاء ، وموضوع البراءة هو الشك في أصل الثبوت ، ولا ريب أنه في مورد التعارض يكون الشك في الثبوت مسببا عن الشك في البقاء ، وهذا المعنى في الشبهة الموضوعية أوضح من الشبهة الحكمية ، فلو شك في ذهاب ثلثي العصير فيشك في حرمته وحلّيته لأجله ، فيجري أصالة عدم ذهاب الثلثين ويرتفع به الشك المسبب عنه بالنسبة إلى الحلّية والحرمة ، وكذا إذا شك في بقاء حرمة العصير بعد ذهاب ثلثيه بالشمس أو الهواء فيشك في ثبوت الحرمة أو الحلّية لأجله فيجري أصالة بقاء الحرمة
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٨٩.
(٢) أقول : لا يخفى أنّ هذه الدعوى تخرص وتقييد في أدلة البراءة من غير شاهد رجما بالغيب.