ثم لا يخفى أنّ ظاهرهم أنّ المراد من الجمع إنما هو الجمع بحسب الدلالة بأن يصرف أحدهما عن ظاهره إلى ما لا ينافي الآخر أو يتصرف في كليهما بحيث لا يتنافيان كما في العام والخاص أو العامين من وجه ، لا أنه يعمل بأحدهما في بعض مدلوله وبالآخر في البعض الآخر مع عدم التصرف في واحد منهما كما في البينتين ، فإنّ معنى الجمع فيه ليس بتصرف في لفظ إحدى البينتين بأنه أراد من قوله إنّ الدار لزيد كون نصفه له والاخرى بأنّ قوله إنه لعمرو كون نصفه الآخر لعمرو ، بل معناه أنه يعمل بقول كل منهما في نصف ما شهدتا عليه ولا يعمل في النصف الآخر. ولا يخفى أنّ النسبة بين الجمع الدلالي والعملي التباين مفهوما والعموم من وجه موردا ، إذ قد يكون الجمع الدلالي ممكنا دون العملي كما لو ورد أمر بشيء في خبر والنهي عنه في آخر فإنه يمكن فيه الجمع بحمل الأمر على الرخصة والنهي على الكراهة ، ولا يمكن الجمع في العمل مع عدم تصرف في الدلالة ، وقد يكون بالعكس كما إذا كان المتعارضان نصين في مدلولهما فلا يمكن التصرف في الدلالة ، ويمكن الجمع العملي بأخذ بعض مدلول كل منهما ، وقد يمكن الجمع بكلا الوجهين كما في قوله (عليهالسلام) «ثمن العذرة سحت» (١) ، و «لا بأس ببيع العذرة» (٢) فيمكن التصرف بحسب الدلالة بأن يقال المراد من الأول عذرة غير المأكول ومن الثاني عذرة مأكول اللحم ، ويمكن إبقاؤهما على ظاهرهما ويعمل في كل منهما ببعض مدلوله.
ثم إنّ الدليلين أعم من ظنيي السند وقطعيي السند كآيتين أو خبرين متواترين ، فإنّ قاعدة الجمع لو تمّت جارية في الكل ، وتخصيص صاحب العوالي
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ١٧٥ / أبواب ما يكتسب به ب ٤٠ ح ١ (باختلاف يسير).
(٢) الوسائل ١٧ : ١٧٥ / أبواب ما يكتسب به ب ٤٠ ح ٣.