وثالثا : أنّ المسلّم من عدم جواز التمسك بالعام المخصص بالمجمل هو فيما إذا كان المخصص متصلا حيث لم ينعقد ظهور للعام مع اقترانه بمثل هذا المخصص كما لو قال أكرم العلماء إلّا زيدا وكان زيد مرددا بين زيد بن عمرو وزيد بن بكر ، وأمّا إذا كان المخصص منفصلا بعد انعقاد ظهور العام فلا نسلّم إجمال العام بمعنى سقوطه عن الظهور ، فلو ورد أكرم العلماء وورد أيضا لا يجب إكرام زيد وكان مرددا نحكم بوجوب إكرام كلا الزيدين أخذا بعموم العام ، نعم لو لزم من الأخذ بالعموم طرح تكليف منجّز لا نأخذ به من هذه الجهة كما لو قال : لا يجب إكرام العلماء ، وقال أيضا : أكرم زيدا وكان زيد مرددا ، فإنّ الأخذ بالعموم مستلزم لطرح التكليف بوجوب إكرام أحد الزيدين منجّزا ، ففيه يجب إكرامهما مقدمة لامتثال الواجب ويطرح الظهور بالنسبة إليهما (١).
قوله : ولا ريب أنّ وجوب العمل عينا بكل من المتعارضين ممتنع (٢).
يمكن أن يقال بشمول دليل حجية الأمارة للمتعارضين وإرادة إيجاب العمل بكل منهما عينا نظير المتزاحمين ، لكن العقل يحكم بسقوط فعلية أحدهما قضية لعدم إمكان العمل بكليهما ، فكل منهما واجب العمل إلّا أنّ أحدهما منجّز والآخر غير منجّز.
ويمكن أن يراد من دليل وجوب العمل بالأمارة القدر الجامع بين الوجوب العيني والتخييري لئلّا يلزم استعمال اللفظ في معنيين ، فإنّ الجامع بينهما معقول
__________________
(١) أقول : في المثال السابق أيضا يسقط الظهور بالنسبة إلى زيد قطعا ، لكن لمّا كان أحد الزيدين باقيا تحت العام لم يعلم بخروجه فيجب إكرامه ، ولمّا كان مشتبها يجب إكرام كلا الزيدين مقدمة للعلم بالامتثال لا لأجل التمسك بالظهور فتدبّر.
(٢) فرائد الاصول ٤ : ٣٤.