قوله : فنقول إنّ الحكم بوجوب الأخذ بأحد المتعارضين في الجملة الخ (١).
محصّل مراده : أنّ دليل الحجية شامل للمتعارضين ، لكن وجوب العمل بكل منهما مشروط بالقدرة كما في سائر أفراد العام وسائر التكاليف ، ولمّا كان العمل بكلا المتعارضين غير مقدور وكان العمل بأحدهما مقدورا وجب العمل بقدر الامكان وهو أحدهما المخيّر فيه ، لكن هذا كلّه بناء على اعتبار الأمارة من باب السببية فهو من قبيل المتزاحمين.
وفيه أوّلا : أنّ هذا البيان إنما يتم لو جعلنا السببية بمعنى كون تصديق العادل من حيث هو هذا العنوان مطلوبا ، أو كون عنوان مؤدّى الخبر بما هو هذا العنوان مطلوبا ، وقد عرفت أنّ السببية بهذا المعنى يرجع محصّلها إلى التصويب الباطل ، وأمّا إذا اريد من السببية كون مؤدّى الخبر حكما ظاهريا كما هو الصحيح من تصويره كما مر بل هو صريح المتن أيضا حيث قال : لكن هذا كلّه على تقدير أن يكون العمل بالخبر من باب السببية بأن يكون قيام الخبر على وجوب شيء واقعا سببا شرعيا لوجوبه ظاهرا على المكلّف انتهى ، فلا يخفى أنّ البيان المذكور غير صحيح لأنّ جعل الحكمين الظاهريين المتناقضين محال كالحكمين الواقعيين فلا يشملهما الدليل.
وثانيا : أنّ ما ذكره من عدم إمكان العمل بالمتعارضين إنّما يتم فيما كان أحدهما دالا على الوجوب والآخر على الحرمة مثلا ، وأمّا في مثل الظهر والجمعة أو الوجوب والاباحة وأمثالهما فلا ريب أنّ العمل بهما مقدور بفعل الظهر والجمعة كليهما في المثال الأول والاتيان بالفعل في المثال الثاني ، فإنّ الاباحة يجتمع مع
__________________
(١) فرائد الاصول ٤ : ٣٥.