ومن الواضح ان البحث التحليلي بهذا المعنى لا يرجع فيه الى مجرّد التبادر او نص علماء اللغة ، بل هو بحث علمي تولّاه علم الاصول في حدود ما يترتب عليه من اثر في عملية الاستنباط (١) على ما يأتي ان شاء الله تعالى.
وأمّا البحوث اللغوية فهي يمكن ان تقع موضعا للبحث العلمي في احدى الحالات التالية :
الحالة الاولى : ان تكون هناك دلالة كلّية كقرينة الحكمة ويراد اثبات ظهور الكلام في معنى كتطبيق لتلك القرينة الكليّة.
ومثال ذلك : ان يقال بأنّ ظاهر الامر هو الطلب النفسي لا الغيري ، والتعييني لا التخييري تمسكا بالاطلاق (٢) وتطبيقا لقرينة الحكمة ، وذلك
__________________
(١) (بيان ذلك) من خلال مثال : إنّه قد جرى البحث في ان الشرط في الجملة الشرطية في قولنا مثلا «اذا استطعت فحج» هل يقيّد الحكم الموجود في الجزاء بحيث ان الوجوب الفعلي يتوقف على تحقق الشرط او انه يقيّد متعلّق الحكم وهو مادّة الحج ، قيل ان الوجه الاوّل وهو تقييد الوجوب بالشرط مستحيل ، لان الوجوب هو مفاد هيئة «حج» وهو معنى حرفي وهو جزئي ولا يمكن تقييده ، فلا بد من القول بالوجه الثاني وإن كان خلاف الظاهر ... ويترتب على القول بالوجه الثاني ان الوجوب سيكون فعليا حتّى قبل تحقق الشرط وهو من الوجوه التي استند اليها للقول بوجوب الذهاب الى الحج شرعا قبل وقته بحيث لا تفوته الفريضة في وقتها المكتوب ... (راجع ثمرة ابحاث المعاني الحرفية).
وكما رأيت ، هذا البحث وامثاله مكانها المناسب علم الاصول.
(٢) لانّ الشارع المقدّس لو كان يريد الامر الفلاني مقدمة لغيره ـ كالوضوء