في الحلقة السابقة من انها بمعنى ايجاد الربط الكلامي.
المرحلة الثانية : إنّ تكثّر النوع الواحد من النسبة كنسبة الظرفيّة مثلا لا يعقل إلّا مع فرض تغاير الطرفين ذاتا ، كما في نسبة النار الى الموقد ، ونسبة الكتاب الى الرف ، او موطنا كما في نسبة الظرفيّة بين النار والموقد في الخارج وفي ذهن المتكلم وفي ذهن السامع.
وكلّما تكثرت النسبة على احد هذين النحوين استحال انتزاع جامع ذاتي حقيقي بينها ، وذلك إذا عرفنا ما يلي :
اوّلا : ان الجامع الذاتي الحقيقي هو ما تحفظ فيه المقوّمات الذاتية للافراد ، خلافا للجامع العرضي الذي لا يستبطن تلك المقوّمات. ومثال
__________________
(أقول) وهذا المعنى من الايجادية صحيح الّا انه لا ينبغي ان يتوهّم انه ليس للحرف معنى اصلا والّا لما بقي فرق بين «من» و «الى» وسائر الحروف ، وانما نعني بكلامنا السابق انه ليست معانيها كمعاني الأسماء في امكان تصوّرها مستقلّة لكون الأسماء موضوعة لمعانيها بنحو الاستقلال ، وانما معاني الحروف رابطة في ذاتها وان الربط مأخوذ في معناها ، ولا يبعد ان يكون هذا المعنى هو مراد صاحب الكفاية ايضا.
والربط في المعاني الحرفية واضح والدليل على ذلك اننا ان اردنا ان نبدّل الحروف باسماء في جملة ما فان المعنى المطلوب لا يظهر ، ففي قولنا مثلا «وقع الابريق عن الطاولة الى الارض فانكسر وتبعثرت قطعه» لو اردنا التبديل لصارت هكذا : «وقع الابريق استعلاء الطاولة انتهاء الارض ترتيب انكسر عطف تبعثرت قطعه» وهو كلام كما ترى غريب. (فان قلت) حتّى في الجملة البديلة يوجد نحو ترابط رغم ابدال الحروف فيها باسماء (قلنا) إنّ هذا الترابط ناتج من هيئة الجملة ، والهيئة ـ كما سيأتي في المسألة التالية ـ معنى حرفي أيضا.