كنا نقصدها بهذا البحث بوصفها من وسائل اثبات الدليل الشرعي (*).
__________________
(*) أقول : الصحيح أن يقال انه ينبغي ان يفصّل بين السيرة العقلائية والسيرة العرفية العاديّة ، فان (منشأ الاولى) هو اطمئنان العقلاء ، ولذلك لا يحتاج الى امضاء وإن امكن الردع عنها عقلا ، لكن الشارع المقدّس لا يردع عنها ، وذلك لان العقلاء ـ بما هم عقلاء ـ لا يعتبرون امرا حجّة ودليلا الّا اذا أورث عندهم اطمئنانا ، والشارع المقدّس وان امكن له ان يردع عن العمل بالاطمئنان ، وان يأمر باتباع خصوص القطع ، ولكن الامكان شيء والواقع شيء آخر ، فالمولى جلّ وعلا يمكن ان يظلم عباده ـ بمعنى القدرة ـ لكنه تعالى حاشاه ذلك ، وهنا الامر كذلك ، ولذلك لن تجد موردا قط هو مورد لسيرة العقلاء قد ضيّقه الشارع المقدّس ، بل تراه احيانا يوسّعه ، كما في الخبر الموثوق بصدوره فانه مورد سيرة العقلاء ، ولكن الشارع المقدّس وسّع دائرة الحجية الى مطلق اخبار الثقات. وعلى أيّ حال فهناك تلازم بين السيرة العقلائية والاطمئنان وما ذلك إلّا لانّ منشأ سيرة العقلاء هو العقل ، هذا العقل هو الذي يعتبره علماؤنا احد مصادر التشريع الاربعة ، واحكام العقل هذه تكون كاشفة عن احكام الشرع بنظر القاطع ، لعدم امكان ان يحكم الشارع المقدّس احكاما يستنكرها العقل.
(ومنشأ الثانية) هي العادات والاعراف ، وهذه هي التي تحتاج الى امضاء من الشارع المقدّس.
(فان) شك في سيرة انها عقلائية ـ أي منشؤها طبيعة العقلاء ـ او عرفية ـ اي منشؤها العادات والاعراف ـ فانّها تحتاج الى امضاء ، وذلك لان العقلاء لا يعملون الّا بما يكون واضحا فان لم يكن الحكم واضحا فلا يحكم العقلاء فنحتاج لا محالة الى امضاء من الشارع لهذه السيرة المشكوكة.
فمثال السيرة العقلائية هو مورد الاطمئنان والعلم الوجداني ، ولا حجية لغيرهما عندهم كعقلاء.
ومثال السيرة العرفية دخول اراضي الآخرين الواسعة الغير مسيّجة والاصطياد فيها و