ولكن هناك نحو آخر من السيرة لا يكشف عن الدليل الشرعي على حكم كلّي ، وانما يحقّق صغرى لحكم شرعي كلي قد قام عليه الدليل في المرتبة السابقة. وإلى هذا النحو من السيرة ترجع على الاغلب البناءات العقلائية التي يراد بها تحليل مرتكزات المتعاملين ومقاصدهما النوعية في مقام التعامل بنحو يحقّق صغرى لادلّة الصّحة والنفوذ في باب المعاملات ، ومثال ذلك ما يقال من انعقاد السيرة العقلائية على اشتراط عدم الغبن في المعاملة ، بنحو يكون هذا الاشتراط مفهوما ضمنا ، وإن لم
__________________
تملّك الصيد والاكل من ثمارها الواقعة من جهة الطريق وتملّك الاراضي المهجورة التي لا يد لاحد عليها والكثير جدّا من العادات والاعراف التي اقرّ الشارع بعضها ولم يقرّ البعض الآخر بل حرّم بعضها كالمعاملات الربويّة. وهناك امثلة قد يقع فيها شك كالاخذ باقوال الثقة واللغوي ـ فيما لم يورث أكثر من الظن بصحّته ـ في مجال الشرعيات والكثير من المسائل التي لا يحكم فيها العقل بوضوح باعتبارها حجّة عقلا وعقلائيا ، ففي هذه الموارد ايضا نحتاج الى امضاء كما علمت.
(وبالنسبة) الى ما ذكره السيد الشهيد رحمهالله من امكان تصحيح الاستدلال بالسيرة على حجية قول اللغوي نقول باننا سنقول في مباحث الظهور بان موضوع حجية الظهور هو بحسب الاصل المراد الجدّي للمتكلم وهذا امر عقلائي ، فلعلّ الشارع المقدّس ـ بل هو المظنون قويا ـ قد اعتمد على هذا الارتكاز الواضح فلم يعتبر قول اللغوي حجّة ان لم يفد إلّا الظنّ ، وانما المناط هو حصول الاطمئنان بالمراد الجدّي للمتكلم على تفصيل وبيان مرّ بعضه في مبحث الاطلاق ـ مسألة القدر المتيقن في مقامي الخارج والتخاطب ـ ويأتي بعضه الآخر في ابحاث الظهور ، فان لم يحصل اطمئنان فالظن ـ ولو من قول اللغوي ـ منهي عن اتّباعه ، وهذا ردع شرعي مضاف الى عدم وجود ارتكاز واضح عند العقلاء على العمل بقول اللغوي اذا افاد الظن فقط ، ولذلك ترى المتشرّعة بارتكازهم لا يأخذون بقول اللغوي الّا اذا اورث عندهم اطمئنانا.