ـ البيان : لقد تحدثنا في السورة السابقة عن الايحاء الذي يتسرب في الحس من رؤية هذا الكون حينما تتناول يد القدرة تغييره. وتهزّه هزة الانقلاب المثير. فلا يبقى شيء على حاله في هذا الكون الكبير. وقلنا : ان هذا الايحاء يتجه الى خلع النفس من كل ما تركن اليه. في هذا الوجود. الا الى الله الواحد القهار. ويذكرنا هنا من مظاهر الانقلاب. (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) أي انشقاقها. وهي حقيقة من حقائق ذلك اليوم العصيب. اما انشقاق السماء على وجه التحديد فهو سر من غيب الله تعالى. ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ. وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) وقد مضى هذا البيان ومرجع حقيقته لخالقه العظيم الذي هو أعلم بما خلق وهو اللطيف الخبير.
(وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) هذا على ما يظهر واضح وهو كشفها عن الاموات وخروجهم منها. (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) كذلك هذا قد مضى بيانه وهو ظهور الحقائق لأهلها (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) ان هذا الخطاب ينادي في الانسان انسانيته ما الذي دعاك الى الاهمال والتسويف وعدم اهتمامك ليوم معادك ولدار اقامتك وأنت تعرف بما خبرك ربك انه ليس لك من دنياك الا ما قدمته لآخرتك. وانت تعلم ـ بما أخبرك ربك ـ ان الله لا يتقبل الا من المتقين فعلى ما عولت لنجاتك من النار يوم يقوم الناس لرب العالمين. فالآن انكشف لك الغطاء ووقعت بالخسران. (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) فقد تكرم عليك بالحياة من العدم وجهزك بكل ما يسعدك في الدنيا والآخرة. وخلق لأجلك جميع الأشياء وخلقك له فهلا قمت بما أوجبه عليك. وهلا. ابتعدت عما حرمه عليك حتى تستحق النجاة من النار والفوز بالجنات النعيم. أم سوفت وغرتك الأماني وخدعك الشيطان حتى جاء أمر ربك وأنت على معاصيه مقيم ولطاعته من التاركين. فالآن تصلى نار الجحيم.