اقتضت الحكمة الالهية أن يخص كل نبي بمعجزة تشابه الصنعة المعروفة في زمانه ، والتي يكثر العلماء بها من أهل عصره ، فانه أسرع للتصديق وأقوم للحجة فكان من الحكمة أن يخص موسى (ع) بالعصا واليد البيضاء لما شاع السحر في زمانه وكثر الساحرون. ولذلك كانت السحرة أسرع الناس الى تصديق ذلك البرهان والاذعان به ، حين رأوا العصا تنقلب ثعبانا ، وتلقف ما يأفكون ثم ترجع الى حالتها الأولى.
وشاع الطب اليوناني في عصر المسيح (ع) واتى الاطباء في زمانه بالعجب العجاب ، وكان للطب رواج باهر في سوريا وفلسطين ، لأنهما كانتا مستعمرتين لليونان. وحين بعث الله نبيه المسيح في هذين القطرين شاءت الحكمة أن تجعل برهانه شيئا يشبه الطب ، فكان من معجزاته أن يحيى الموتى ، وان يبرىء الأكمة والابرص. ليعلم أهل زمانه أن ذلك شيء خارج عن قدرة البشر ، وغير مرتبط بمباديء الطب ، وأنه ناشيء عما وراء الطبيعة.
وأما العرب فقد برعت في البلاغة ، وامتازت بالفصاحة ، وبلغت الذروة في فنون الأدب ، حتى عقدت النوادى وأقامت الأسواق للمباراة في الشعر والخطابة. فكان المرء يقدر على ما يحسنه من الكلام ، وبلغ من تقديرهم للشعر أن عمدوا لسبع قصائد من خيرة الشعر القديم ، وكتبوها بماء الذهب في القباطي ، وعلقت على الكعبة ، فكان يقال هذه مذهبة فلان اذا كانت أجود شعره.
ولذلك اقتضت الحكمة أن يخص نبي الاسلام بمعجزة البيان ، وبلاغة القرآن ، فعلم كل عربي أن هذا من كلام الله ، وانه خارج ببلاغته عن طوق البشر ، واعترف بذلك كل عربي غير معاند.
ويدل على هذه الحقيقة ما روي عن ابن السكيت انه قال لابي الحسن الرضا عليهالسلام : لماذا بعث الله موسى بن عمران (ع) بالعصا ، ويده البيضا ، وآله السحر؟ وبعث عيسى بآلة الطب؟ وبعث محمدا ـ صلّى الله