وقد أشار الى هذا النحو من الاعجاز قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (١).
وهذه الآية تدل الناس على أمر يحسونه بفطرتهم ، ويدركونه بغريزتهم وهو أن من يعتمد في دعواه على الكذب والافتراء لابد له من التهافت في القول ، والتناقض في البيان ، وهذا شيء لم يقع في الكتاب العزيز قطعا.
والقرآن يتبع هذه الخطة في كثير من استدلالاته واحتجاجاته ، فيرشد الناس الى حكم الفطرة ، ويرجعهم الى الغريزة ، وهي أنجح طريقة في الارشاد ، وأقربها الى الهداية وقد أحست العرب بهذه الاستقامة في اساليب القرأن ، واستيقنت بذلك بلغاؤهم. وان كلمة الوليد بن المغيرة في صفة القرآن تفسر لنا ذلك ، حيث قال ـ حين سأله ابو جهل أن يقول في القرآن قوله : ـ فما أقول فيه؟ فو الله ما منكم رجل اعلم في الأشعار مني ولا أعلم برجزه مني ولا بقصيده ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، والله ان لقوله لحلاوة ، وانه ليحطم ما تحته وانه ليعلو ولا يعلى عليه. قال ابو جهل : والله لا يرضي قومك حتى تقول فيه. قال الوليد : فدعني حتى افكر فيه ، فلما فكّر قال : هذا سحر يأثره عن غيره. وبه نزل قوله تعالى : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) الى ان يقول فقال ان هو الا سحر يؤثر) سورة المدثر.
وفي بعض الروايات قال الوليد : والله لقد سمعت منه كلاما ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن ، وان له لحلاوة ، وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر ، وان أسفله لمغدق ، وانه ليعلو ولا يعلى عليه ، وما يقول هذا بشر ...
واذا اردت ان تحسّ ذلك من نفسك فانظر الى الكتب المنسوبة الى الوحي ، فانك تجدها متناقضة المعاني ، مضطربة الاسلوب ، لا تنهض
__________________
(١) سورة النساء آية ٨٢.