غير أن الانسان ـ حين يخلو قبله من الايمان ـ لا يدرك هذه الحكمة والامتحان. ولا حقيقة القيم في ميزان الله. فاذا عمر قلبه بالايمان اتصل وعرف ما هنالك. وخفت في ميزانه جميع الاعراض الدنيوية. وتيقظ لما وراء هذا الابتلاء من الكرامة او الهوان من الجنة او النار. واطمأن الى قضاء الله تعالى في الحالتين. وعرف أن قدره غير هذه الاعراض الجوفاء.
(كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ). ليس الامر كما يقول الانسان الخاوي من الايمان. وليس بسط الرزق دليلا على الكرامة من الله. وليس تضييق الرزق دليلا على المهانة والاهمال. فكم من غني ووجيه وزعيم. يتمنى غدا ـ عند موته وكشف الغطاء له ـ ان الذي كان يحسده على زعامته وغناه قد نال ذلك دونه لما يرى ما جلب ذلك عليه من خسران وبلاء وعذاب من أثر ذلك الغني.
(كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) ودك الارض ، تحطيم معالمها وذهاب ما كان عليها.
(يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) ذلك الانسان الذي كان غافلا ومخدوعا في هذه الحياة ، يتذكر ما كان يجني على نفسه من وبال وخسران. وهو من جهله وغفلته فرحان. يتذكر ما كان معرضا عنه وهو اليوم في أشد الحاجة اليه. يتذكر من كان يظهر له الحب والاخلاص وهو من أشد الاعداء. حيث كان يغريه في معاصي الله ويصرفه عن طاعته. يتذكر حينما ينكشف له نعيم الجنة الذي كان بامكانه الحصول عليه. وينكشف له نار الجحيم التي كان بامكانه الابتعاد عنها. والخلاص منها. ولكن الآن لا ينفعه لا حسرة ولا ندامة.
(يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) فهي الحياة الحقيقية التي تستحق اسم