عظماء تلك الجماعات ، ومع ذلك فقد تحداهم ، على الاتيان بمثل ما جاء به من ربه المرسل من قبله ، دليلا على نبوته وحجة على صحة دعواه ، وحكم عليهم جميعا بالعجز والضعف سلفا بدون امهال. وفعلا قد أقروا واعترفوا بالعجز والقصور والضعف والوهن يكون ذلك أبلغ في الاعجاز وأقوى للحجة والبرهان مما لو كان اتاهم بغير ما يعرفون.
مثلا : كان في عصر موسى (ع) من الرائج بين أبناء عصره السحر وأنواعه فكانوا يعرفون ما هو جار على نواميس هذه الصناعة. وما هو خارج عنها وعن حدود القدرة ، الا لخاصة البشر من الاوحديين في عصرهم وزمانهم.
ولاجل ذلك اقتضت الحكمة ، أن يحتج عليهم بمعجزة العصا ، التي ألقاها موسى (ع) أمام أعينهم فصارت ثعبانا تلقف ما يأفكون وما خيلوا به على أعين الناس من أن حبالهم وعصيهم تسعى. وقد رأوا بأعينهم انها تلقفت حبالهم وعصيهم. ولم يبق لذلك وجود ولا أثر ثم رجعت كحالها الاول ، عصا من خشب ، يراها جميع البشر بدون شك أو ارتياب.
فحينئذ تحقق لديهم أن هذا الذي جرى ورأوه بأعينهم ليس من صنع البشر ، مهما تفنن البشر في هذه المهنة والصنعة. وهو خارج عن حدود السحر وقدرة السحرة. ولذا فورا خر السحرة لرب هارون وموسى ، وآمنوا به بدون تردد أو اهمال كما ذكر في قوله عزوجل :
(قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى. قالَ : بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى. قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا. إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى. فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى.
قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى.)