ولم تسمح لهم عقولهم لحظة في التروي ، بل أوجبت عليهم الاسراع في الايمان والسجود لرب موسى وهارون ، الذي له تلك القدرة البالغة والمحجة الناصعة التي تحققت لديهم بدون ارتياب.
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً. قالُوا : آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى)
انها اللمسة تصادف العصب الحساس ، فينتفض الجسم كله ، وتصادف «الزر» الصغير فينبعث النور وينشرح الصدر ويستضيء القلب وينكشف الظلام بدون امهال.
انها لمسة الايمان للقلب البشري ، فتحوله في لحظة خاطفة من الكفر الى الايمان ، ومن العناد الى الاذعان. ومن الرهبة والخوف الى الامان والاطمئنان. ولكن انى لمطموسي القلوب ، ومريضي الضمائر ، والجبابرة الطغاة ، أن يدركوها هذا السر اللطيف أنى لهم أن يدركوا كيف تتقلب القلوب ، وتهتز الضمائر الحية في لمحة البصر ، أو هو أقرب.
وهم قد نسوا الله فأنساهم انفسهم وقد طغوا وتجبروا حيث رأوا الاتباع ينقادون لاشارة منهم. وقد نسوا أن الله لهم بالمرصاد وهو مقلب القلوب وبيده أزمة الامور وما هو من الظالمين ببعيد.
(قال ـ فرعون الطاغية ـ (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ)
يا لها من قولة ، صادرة من طاغية جبار ، لا يحسّ قلبه برحمة ولا حنان. وقد خفي عليه ما لمسته قلوبهم من الايمان الصحيح وألزمتهم عقولهم على الاسراع للسجود قبل فوات الأوان وقد أحسّوا بالايمان ينعش قلوبهم وأفئدتهم. ويدعوهم الى الاستسلام والاقرار بالاسلام وقد تكشفت عن بصائرهم غشاوة البطل والضلال ولفد سخروا من فرعون حين هددهم بقوله :
(فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ)
هنا يظهر الاستعلاء بالقوة الغاشمة. وهنا تتجلى القوة التي تمزق