الخاضعة للعلم والتعلم. فلم يكونوا يميزون حدودها العادية بحسب موازين العلم والتعلم. واسرار الطبيعيات المنقادة بقوانينها ، للباحث والممارس والمتعلم والمجرب والمكتشف والداخلة تحت سيطرة العلم والتعلم.
فلا يعرفون من الاعمال ما هو خارج عن هذه الحدود وخارق للعادة ، ولا يكون الا باعجاز إلهي. فكل عمل معجز من غير الادب العربي بمجرد مشاهدتهم له أو سماعهم به يسبق الى أذهانهم ، ويستحكم في حسبانهم ، انه من السحر أو من مهارة أهل البلاد الاجنبية في الصنائع وتقدمهم في العلوم وأسرار الطبيعيات وقوانينها ، ولا يذعنون بأنه معجز إلهي ، بل يسوقهم شك الجهل الى الجحود ، خصوصا اذا كان ذلك يحتج به النبي (ص) على دعوة التوحيد. ودعوة النبوة وكلا الدعوتين ثقيلتين على ضلالتهم باهضتين لعاداتهم الوحشية واهواء الجهل.
نعم قد برعوا بالادب العربي وبلاغة الكلام التي تقدموا فيها تقدما باهرا. حتى قد زهى في عصر الدعوة روضة الأدب والبلاغة وأينعت وفاقوا بحدة. وقد قرروا له المواسم. وعقدوا له المحافل للمفاخرة بالرقي به. فرقت بينهم صناعة الأدب الى أوج مجدها وزهرت بأجمل مظاهرها. وأحاطوا باطرافها وحدودها.
فعاد المرء منهم خبير بما هو داخل في حدود القدرة البشرية. وما هو خارج عنها ولا يصدر على لسان بشر ابتداء الا بعناية إلهية خاصة خارقة للعادة البشرية لحكمة الهية شرعية. ولذا اقتضت الحكمة الالهية (ولله الحكمة البالغة) ان يكون القرآن الكريم هو المعجز الذي عليه يدور مدار الحجة والبرهان للرسالة الاسلامية ولصدق خاتم النبيين محمد (ص).
وبالفعل فقد كان حجة على كافة الخلق من جهات وعلى العرب خاصة من جميع جهاته وخصوصا في إعجاز بلاغته. وبتحديهم عن الاتيان بمثله أو بسورة من مثله ، وبالفعل لقد افتضحوا وظهر عليهم