أمّا الوجه الثّالث ، فلأنّ مقتضى الاكتفاء بمقدار الضّرورة في رفع اليد عن إطلاق كلّ من المفهومين هو تقييده بالآخر ، إمّا «بالواو» أو «بالأو» لا رفع اليد عنه في كلا المفهومين رأسا.
هذا بناء على تسليم وقوع المعارضة أوّلا وبالذّات بين المفهومين ، وإلّا فالضّرورة تقتضي رفع اليد عن إطلاق كلّ من المنطوقين بتقييده بالآخر.
أمّا الوجه الرّابع ، فلأنّه ممّا لم يقم عليه دليل ، إلّا دعوى ، أنّ المفهوم الباقي هو الأظهر ، وهذه كما ترى.
وإذا اتّضح لك ضعف الوجوه الأربعة ، علمت ، أنّ الظّاهر المناسب للمقام الّذي يلاحظ فيه الأنظار العرفيّة ، لا الدّقّة الفلسفيّة هو الوجه الخامس ؛ ضرورة ، أنّ شرط وجوب التّقصير ـ حسب الفهم العرفي ـ ليس خصوص هذا أو ذاك ، ولا هذا وذاك ، بل هو البعد الخاصّ عن البلد بحيث يوجب خفاء آثاره ، وعليه ، فالشّرط هو نفس هذا البعد الجامع بين الخفاءين ، وأمّا الخفاءان فهما أمارتان وطريقان لإحراز ذلك.
غاية الامر : يكون خفاء الأذان طريقا سمعيّا ؛ وخفاء الجدران طريقا بصريّا.
ومن هنا ظهر ، أنّه لا حاجة لإثبات هذا الوجه إلى حكم العقل بمعونة قاعدة «الواحد لا يصدر إلّا من الواحد» كما عن المحقّق الخراساني قدسسره (١) ، إذ لا ملزم لنا من الذّهاب إلى هذه الدّقّة العقليّة في مثل مسألة اصول الفقه بعد كفاية استظهار العرفي في أمثال تلك المسألة.
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٣١٣ و ٣١٤.