فيكون ترك أحدهما مقدّمة لوجود الآخر ، وهذه المقدّميّة من البديهيّات الّتي لا مجال لإنكارها.
وإن شئت ، فقل : إنّ توقّف وجود الشّيء على عدم مانعة في غاية الوضوح لا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان.
إذا عرفت هذا ، فاعلم ، أنّهم قد ذكروا لمنع تلك الصّغرى وجوها :
منها : ما عن المحقّق الخراساني قدسسره فقال ما حاصله : إنّ كون شيء مقدّمة لشيء آخر ، إنّما يصحّ فيما إذا كان الشّيئان أمرين طوليّين يترتّب أحدهما على الآخر ، نظير الوضوء والصّلاة ، أو نصب السّلم والكون على السّطح ، وأنت تعلم : أنّ المقام ليس كذلك ؛ ضرورة ، أنّ الضّدّين كالنّقيضين لمّا كانا عرضيين وفي رتبة واحدة ، فلا مناص من كون ترك أحد الضّدّين ـ أيضا ـ في عرض الضّدّ الآخر المقابل له ، وأنّه في رتبته بمقتضى قياس المساواة ، وبذلك تنتفي المقدّميّة الّتي تكون المناط فيها هي الطّوليّة والتّرتّب. (١)
وبعبارة اخرى : أنّ ترك الضّدّ إنّما هو في رتبة الضّدّ ؛ لأجل أن يكون أحد النّقيضين في عرض النّقيض الآخر ، وأنّ نفس الضّدّ ـ أيضا ـ في رتبة مقابله الضّدّ الآخر ؛ وذلك ، لكون أحد الضّدّين في عرض الضّدّ الآخر ، ونتيجة ذلك : أنّ ترك الضّدّ ـ أيضا ـ في رتبة ذلك الضّدّ الآخر ؛ لقياس المساواة بلا منافاة بينهما ، بل بينهما كمال الملاءمة ، فتنتفي المقدّميّة بينهما لانتفاء ما هو المناط فيها من الطّوليّة والتّرتّب.
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٢٠٦ و ٢٠٧.