وبالجملة : فالشّبهة المصداقيّة للخاصّ حينئذ تكون شبهة مصداقيّة للعامّ ، ومن الواضح المطبق عليه ، عدم جواز التّمسّك بالعامّ في شبهته المصداقيّة ، حيث إنّ كلّ قضيّة إنّما تتكفّل لبيان حكم موضوعها بلا دلالة لها على وجود الموضوع ، وبلا تكفّل لبيان أنّ هذا أو ذاك أو ذلك يكون موضوعا لحكمها ، أو يكون فردا ومصداقا لموضوع حكمها.
وإن شئت ، فقل : إنّ الكبرى في القضايا لا تتكفّل لإثبات الصّغرى وإحرازها ، فقولنا : «أكرم كلّ عالم» يدلّ على وجوب إكرام كلّ عالم ، لا أنّه يدلّ على أنّ «زيدا» المشكوك ـ مثلا ـ عالم ، فيجب إكرامه ، أو غير عالم فلا يجب إكرامه ، وكذا قولنا : «أكرم كلّ عالم إلا الفاسق» فعند الشّكّ في فسق فرد وعدمه لا يدلّ العامّ على كونه فاسقا أو غير فاسق ؛ هذا إذا كان المخصّص متّصلا.
وأمّا إذا كان المخصّص منفصلا ، فالمشهور (١) هو جواز التّمسّك بالعامّ قياسا بالمنفصل المجمل المفهوميّ الدّائر بين الأقلّ والأكثر ، فكما أنّ التّمسّك بالعامّ هناك بالنّسبة إلى الزّائد على الأقلّ المتيقّن جائز ، لعدم حجّيّة الخاصّ فيه ـ كي يزاحم ظهور العامّ ، كما زاحمه في الأقلّ لكونه نصّا أو أظهر ـ كذلك يجوز التّمسّك به في المقام ـ أيضا ـ ففي مثل قولنا : «أكرم كلّ عالم» انعقد ظهور العامّ بالنّسبة إلى جميع أفراد العالم ، فيصير الإكرام في الجميع واجبا بلا فرق بين العادل والفاسق ، إلّا أنّه إذا ورد دليل منفصل لإخراج الفرد الفاسق ، كقولنا : «لا تكرم الفاسق منهم» فلا كلام في رفع اليد عن العموم بالإضافة إلى من احرز فسقه وعلم به ؛ لكونه حينئذ من مصاديق
__________________
(١) منتهى الأفكار : ج ٢ ، ص ٢٥٢.