فتحصّل : أنّ الأمر بالشّيء لا يقتضي النّهي عن ضدّه الخاصّ ، لا من طريق المقدّميّة ، ولا من طريق الملازمة.
ثمّ إنّه لا فرق فيما قلنا : بين الضّدّين اللّذين لهما ثالث وهو الغالب ، وبين ما لا ثالث لهما ، خلافا للمحقّق النّائيني قدسسره حيث إنّه قدسسره فصّل بينهما وقال : بوجود ملاك النّقيضين ـ وهو امتناع ارتفاعهما واجتماعهما ـ في الضّدّين الّذين لا ثالث لهما ، فيسري إليهما حكم النّقيضين وهو استلزام الأمر بأحدهما للنّهي عن الآخر ، وهذا بخلاف الضّدّين الّذين لهما ثالث ، فإنّ الملاك المذكور مفقود فيه ، وإليك نصّ كلامه :
«ومن المعلوم : أنّ الملاك في دعوى اللّزوم البيّن في الضّدّين الّذين لا ثالث لهما هو ملازمة وجود أحدهما لترك الآخر خارجا وبالعكس ، فكلّ منهما وإن لم يكن بنفسه رافعا للآخر ، كالنّقيضين ، إلّا أنّه لازم لما هو نقيضه ورافعه ، فيسري إليهما حكم النّقيضين وهو استلزام الأمر بأحدهما للنّهي عن الآخر ، وهذا الملاك مفقود في الضّدّين الّذين لهما ثالث قطعا ... فتخلّص ممّا ذكرنا : أنّ الأمر بأحد النّقيضين يستلزم النّهي عن الآخر باللّزوم البيّن بالمعنى الأخصّ ، والأمر بأحد الضّدّين في ما لا ثالث لهما ، كالحركة والسّكون والاجتماع والافتراق يستلزم النّهي عن الآخر باللّزوم البيّن بالمعنى الأعمّ ، وفي ما لهما ثالث لا استلزام أصلا ...». (١)
وفيه : أوّلا : لا نسلّم أنّ الاستلزام هو حكم النّقيضين بحيث يستلزم الأمر بالشّيء للنّهي عن نقيضه كي يسري إلى المقام.
وثانيا : أنّه فرق واضح عرفا ، بين النّقيضين والمقام ؛ فإنّ العرف يرى نقيض
__________________
(١) أجود التّقريرات : ج ١ ، ص ٢٥٣ و ٢٥٤ ؛ راجع ، فوائد الاصول : ج ١ ، ص ٣٠٤.