ثالثها : التّفصيل بين العامّ الّذي يكون في معرض التّخصيص ـ كما هو الحال في عمومات الكتاب والسّنّة ـ فلا يجوز التّمسّك به قبل الفحص ، بين ما لا يكون كذلك ؛ فيجوز التّمسّك به قبله ، وهذا ما اختاره المحقّق الخراساني قدسسره (١) وهو الحقّ المختار.
والحريّ هنا ، أن نكتفي بالبحث عمّا اخترناه من القول الثّالث ، خوفا عن الإطالة ، مع أنّه لا حاجة إلى تعرّض سائر الأقوال ونقدها.
فنقول : إنّ أقوى ما دلّ على هذا القول ، هو الّذي أشار إليه المحقّق الخراساني قدسسره بقوله : «إنّه لو لا القطع باستقرار سيرة العقلاء على عدم العمل به قبله ، فلا أقلّ من الشّكّ ، كيف ، وقد ادّعي الإجماع على عدم جوازه ، فضلا عن نفي الخلاف عنه وهو كاف في عدم الجواز». (٢)
توضيح ذلك : أنّ حجيّة الظّهور وصحّة الاحتجاج به إنّما تتوقّف على أصل عقلائيّ وهو أصالة الجدّ وتطابق الإرادتين (الاستعماليّة والجدّيّة) ولذا لا يصحّ الاحتجاج بمجرّد ظهور كلام من كان دأبه وعادته الهزل ، ولا ريب : أنّه مع كون العامّ في معرض التّخصيص حسب عادة المتكلّم ، لا يكون الجدّ وتطابق الإرادتين بمحرز ، فلا يصحّ التّمسّك بظهوره إلّا بعد الفحص عن المخصّص وعدم العثور عليه ؛ إذ ليس لحجّيّة الظّهورات مستند إلّا بناء العقلاء وقيام السّيرة ، ولا بناء منهم ولا سيرة لهم على حجيّة ظهور العامّ مع معرضيّته للتّخصيص قبل الفحص ، ولا أقلّ من الشّكّ ، وهو يكفي في الحكم بعدم جواز العمل بالعامّ قبله ؛ ضرورة ، أنّ الشّكّ في الحجيّة
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٣٥٣.
(٢) كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٣٥٣.