والمقصود من المحال هو أحد أمرين : الأوّل : أنّ الرّفع من جهة البداء وكشف الخلاف النّاشي من عدم الاطّلاع ، مساوق للجهل في «الله تعالى» وهو محال.
الثّاني : أنّ الأحكام الشّرعيّة تدور مدار المصلحة ، فرفعها مع بقاء الملاكات والمصالح المستدعية لإبقائها يكون على خلاف الحكمة ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به ، كما لا يخفى.
وبالجملة : نسخ الحكم مع اشتماله على المصلحة المستدعية لإبقاء ، غير جائز ، ويكون خلاف الحكمة ، ومع عدم اشتماله عليها ، كان أصل جعله وتشريعه غير جائز ، ومع خفاء الأمر وتخيّل الاشتمال عليها ، ثمّ البداء وانكشاف الحال بظهور عدم الاشتمال مستلزم لجهله سبحانه وتعالى وهو ـ أيضا ـ كالعمل على خلاف الحكمة ، محال.
هذا ، ولكن يمكن الجواب عن هذه المقالة ، بأنّ المصالح قد تكون دائميّة ، فتوجب أحكاما كذلك ؛ وقد تكون موقّتة ، فتوجب أحكاما كذلك ، وهذه الأحكام تنتهي بانتهاء وقتها بلا لزوم محذور الجهل أو عدم الحكمة أصلا ، فنسخ الحكم ، رفع صورة وبحسب الإثبات ، حيث ابرز الحكم غير الدّائم في قالب الدّوام وصورة البقاء عمود الزّمان ، لكنّه دفع وارتفاع حقيقة وبحسب الثّبوت.
وإن شئت ، فقل : إنّ النّسخ ليس رفع الحكم المجعول بعد ثبوته كي ينافي الحكمة ، أو يساوق الجهل والضّلالة ، بل هو ارتفاع الحكم المجعول الّذي يكون مقيّدا بزمان خاصّ ـ معلوم عند الله تبارك وتعالى ، ومجهول عند عباده ـ بعد ارتفاع ذلك الزّمان ، وهذا ممّا لا إشكال فيه ، بل ليس نسخا واقعا. هذا كلّه في الأوّل (النّسخ).