الرّابع : أنّه لا يعقل تردّد الإرادة وهكذا تردّد متعلّقها ، وإلّا لزم أن يكون الموجود متردّدا ، وهذا ـ كما أشرنا آنفا ـ غير معقول لرجوعه إلى اجتماع النّقيضين.
الخامس : أنّ الأمر في البعث حيث يقع بلفظ ـ كهيئة الأمر أو غيرها ـ مضافا إلى المبعوث إليه ، فلا مناص من أن يكون لكلّ من البعث وآلته ومتعلّقه وجود وتشخّص ذهنيّ وخارجيّ وهو ممّا لا مجال لتطرّق التّردّد إليه.
إذا عرفت هذه الامور ، تعرف استحالة الواجب التّخييريّ لرجوعه إلى التّردّد وعدم التّعيّن حسب الواقع في الإرادة والمراد والبعث وآلته والمبعوث إليه ، وكلّ ذلك مستحيل.
والجواب أنّ هذا الإشكال ، إنّما يتمّ إذا كانت هناك إرادة واحدة متعلّقة بأمر مردّد ، وأنت ترى ، أنّ الواجب التّخييريّ ليس كذلك ؛ إذ الإرادة تتعدّد بتعدّد المراد لما في كلّ من الشّيئين أو الأشياء من المصلحة الملزمة الوافية ، والمفروض ـ أيضا ـ عدم الجامع حتّى تتعلّق الإرادة به ، فيأمر الآمر بكلّ واحد تخييرا بتخلّل كلمة : «أو» وما في معناها ، ويكون العامل إذا مخيّرا في مقام الامتثال ، وهذا ممّا يتّضح بالمراجعة إلى الوجدان.
وعليه : فلا تكون الإرادة في التّخيير سنخا آخر غير ما في التّعييني ، كما لا يكون الواجب في التّخيير نحوا آخر غير ما في التّعييني.
غاية الأمر : أنّ التّعييني محصّل للغرض بنفسه ، وليس ورائه شيء آخر يحصّله أو يحصّل ما يعادله ، وهذا بخلاف التّخييريّ ؛ إذ المحصّل فيه هو كلّ واحد من الشّيئين أو الأشياء ؛ ولذا يتخلّل كلمة : «أو» وما في معناها ، كما عرفت آنفا.