هل أنت ـ أيّها المحدّث ـ قطعت من هذه المقدّمات العقليّة غير الحسيّة بأنّ المقدّمات العقليّة لا تفيد قطعا ، أم لا؟ فإن قلت : بحصول القطع ، فقد اعترفت بخلاف مدّعاك ، وإن قلت : بعدمه ، فلا دليل لك قطعيّا على دعواك. هذا بالنّسبة إلى منع الصّغرى.
وأمّا منع الكبرى ، فالتّحقيق فيه يقتضي الرّجوع إلى الرّوايات الّتي يتراءى منها منع حجّيّة القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة.
فنقول : إنّ تلك الرّوايات على طوائف ثلاثة :
الاولى : ما يدلّ على النّهي عن العمل بالرّأي.
الثّانية : ما يدلّ على انحصار أدلّة الأحكام في روايات أهل البيت عليهمالسلام.
الثّالثة : ما يدلّ على عدم تمكّن العقول والأفكار من الوصول إلى الشّريعة ودين الله المتعال.
أمّا الطّائفة الاولى فهي كثيرة : منها : ما عن أمير المؤمنين عليهالسلام : «إنّ المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ، ولكن أتاه عن ربّه فأخذ به» (١).
ومنها : ما عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ستفرق امّتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة منها ناجية ، والباقون هالكون ، والنّاجون الّذين يتمسّكون بولايتكم ويقتبسون من علمكم ولا يعملون برأيهم ، فاولئك ما عليهم من سبيل» (٢).
ومنها : ما عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث ، قال : «يظنّ
__________________
(١) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٤ ، ص ٢٦.
(٢) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٠ ، ص ٣١.