حفظا للنّظام وإبقاء للنّوع ؛ وقيل : وجهها ، حكم العقل وإلزامه بالعمل على وفق القطع وبالمشي والحركة على طبقه نحو حكم المولى.
الجهة الثّالثة : أن يكون القطع ممّا لا يمكن الرّدع عن العمل به من ناحية الشّرع ، وهذه الجهة ممّا لا إشكال فيه ؛ ضرورة ، أنّ وزان المنع الشّرعيّ عن العمل به هو وزان المنع التّشريعيّ عن تأثير النّار والماء في الحرارة والبرودة ، فيلزم من المنع عن العمل بالقطع ، اجتماع الضّدّين واقعا ـ لو كان القطع مصيبا ـ واعتقادا فقط ـ لو لم يكن كذلك ـ أو يلزم اجتماع الإرادتين المختلفتين على مراد واحد لو لم نقل بتضادّ الأحكام. هذا بالنّسبة إلى القطع الّذي هو من الأمارة العلميّة.
وأمّا الظّنّ الّذي هو من الأمارة غير العلميّة ، فكاشفيّته تكون ناقصة ؛ ولذا ثبوت الحجّيّة له يحتاج إلى جعل ـ كما في الظّنون الخاصّة ، أو مطلق الظّنون الانسداديّة ، بناء على مسلك الكشف ـ أو إلى ثبوت مقدّمات وطروّ حالات موجبة لاقتضائها الحجّيّة ، كمطلق الظّنون الانسداديّة ، بناء على مسلك الحكومة.
ومنه ينقدح : أنّ ردع الشّرع عن العمل بها ممكن لا ممتنع ، كما في الأمارة العلميّة.
وإن شئت ، فقل : إنّ القطع حجّة ذاتا فهو فوق الجعل ، وأجلّ من أن يناله الجعل التّشريعيّ من حيث الحجّيّة. نعم ، يناله الجعل التّكوينيّ من حيث الوجود والحقيقة ، وبمجرّد جعله كذلك يكون حجّة منجّزة ، أو معذّرة قهرا البتّة. وفي قباله الشّكّ فليس بحجّة ذاتا ، ولذا يكون دون الجعل ، لا يناله لخسّته وحقارته. وأمّا الظّنّ فهو ـ لو خلّي وطبعه ـ ليس بحجّة أو لا حجّة كى لا يمسّه الجعل ، لعلوّ شأنه أو لدنوّ قدره ، بل هو قابل لكلا الأمرين ، فإن جعل له الحجّيّة فحجّة ، وإلّا فليس بحجّة.